تشريح جثث الموتى للتعلُّم

نص الاستشارة :

ما حكم الدين في تشريح جثث الموتى بغرض التعلم؟

 

الاجابة

روى مالك وابن ماجه وأبو داود عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفَّار عَظْماً – ساقاً أو عضواً – فذهب ليكسره فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكسرها، فإنَّ كسرك إياه ميتاً ككسرك إياه حياً).

 

ولم يَرِدْ في نصوص الدين ما يتَّصل بتشريح جُثَّة الميت مُباشرة، والمسألة اجتهاديَّة بين الفقهاء الذين اعتمدوا على هذا الحديث، حيث تحدثت كتبهم عن مسألة: شَقِّ بطن الميت إن كان فيه مال، وشَقِّ بطن الميتة الحامل لإخراج الجنين منه.

 

وقد قال ابن قدامة في كتابه: (المغني) والمذهب أنَّه لا يُشق بطن الميتة لإخراج ولدها، وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركة، وإن يوجد نساء لم يسلط الرجال عليه وتترك أمه حتى يتيقن موته ثم تدفن. ومَذهب مالك وإسحاق قريب من هذا.

 

ويحتملُ أن يشق بطن الأم إن غلب على الظن بأنَّ الجنين يحيا وهو مذهب الشافعي؛ لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حي فجاز، كما لو خرج بعضه حياً ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق، ولأنه يشق لإخراج المال منه فلإبقاء الحي أولى.

 

والعلماء المُحْدَثُون – بناء على ذلك – حَرَّم جماعة منهم التشريح لأي سبب كان، وقرَّر آخرون جوازه لغرض مشروع.

 

وعلى هذا إذا كان التشريح للتعلم لمعرفة أسرار الجسم أو لتحقيق جناية فلا مانع منه، ولو كان الميت يتألم – بناء على حديث جابر – فلابد من الموازنة بين المصلحة والمفسدة والحكم لأرجحهما، أو ارتكاب أخفِّ الضررين.

 

هكذا قال المجيزون للتشريح الذي يَقْتضيه تقدم العلوم والحاجة إلى معرفة وظائف الأعضاء، على أنَّهم قالوا: لا يجوز ذلك إلا عند الضرورة، والضرورة تُقَدَّر بقدرها، ولو أمكنت دراسة التشريح على الحيوانات المماثلة لكان أولى، وكذلك لو أمكن الاستغناء عنه بالنماذج المصنوعة وهي دقيقة إلى حَدٍّ كبير، فلا يجوز اللجوء إلى تشريح جثة الآدمي، وهذا ما أَميل إليه حتى لا يُتوسَّع في انتهاك حُرمة الميت.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

راجع الفتاوى الإسلامية المجلد العاشر ص 3702، ومجلة الأزهر المجلد 6ص 472و577و627.

المصدر مجلة منبر الإسلام السنة السابعة والأربعون، ذو القعدة 1409 - العدد 11


التعليقات