هل تتحول الصغيرة إلى كبيرة

نص الاستشارة :

ما المقصود بالإصرار في قول ابن عباس (لا صغيرة مع إصرار)؟ وهل يؤخذ بقول الصحابي في هذه المسألة علما أنه لا يوجد دليل من الكتاب والسنة على هذا الكلام؟ الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من المحقرات وصغائر الذنوب وأنها تجتمع على العبد فتهلكه لكنه لم يقل: إن الصغيرة تتحول إلى كبيرة، وقد وردت أحاديث كثيرة عن تكفير الصغائر، وأن الصلاة تمحي الذنوب والصيام يمحي الذنوب وأشياء كثيرة أخرى تمحي الذنوب. هذه الأحاديث تتعارض مع قول ابن عباس الذي ألغى الصغائر وأصبحت كل الذنوب عنده كبائر، فهل هذا الصحابي يعتبر خالف الكتاب والسنة في هذه المسألة؟ أيضا كيف نعرف كم مرة تتكرر الصغيرة حتى تصبح كبيرة؟ نرجو توضيح هذه المسألة بالتفصيل.

الاجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه، وبعد:

فقد أثنى الله على عباده المتقين بعدم الإصرار على الذنوب والفواحش، فقال عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 135]، فالإصرار على الذنوب والآثام ليس من صفات المتقين. ومعنى الإصرار على الذنب: المداومة عليه والمقام فيه، وعدم الاستغفار منه، أما من استغفر وتاب من ذنبه فليس بمصر وإن تكرَّر منه الذنب...

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: الإصرار: هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه، ومنه صَرُّ الدنانير، أي: الربط عليها. فالإصرار: اعتزام البقاء على الذنب.

قال قتادة: «الإصرار: الثبوت على المعاصي، والمُصرُّ: هو الذي يمضي قدمًا في الذنب لا تنهاه مخافة الله »، وقال: «إياكم والإصرار، فإنما هلك المُصرُّون الماضون قِدْماً في معاصي الله تعالى..»، وقال السدي: «الإصرار: هو ترك الاستغفار، والسكوت عنه مع الذنب».

وقال سهل بن عبد الله التستري: «الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصرُّ هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدًا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدًا لا يملك؟!».

قال النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء رحمهم الله: والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، وروي عن عمر وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم: "لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار"، معناه: أن الكبيرة تُمحى بالاستغفار، والصغيرة تصير كبيرة بالإصرار.

وما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح عن سعيد بن جبير، أن رجلًا سأل ابن عباس: كم الكبائر؟ أسبع هي؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، وأنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. وكذا ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية.

فما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فهم صحيح لا إشكال فيه، ولا تعارض بينه وبين الأحاديث التي وردت في تكفير صغائر الذنوب بالأعمال الصالحة التي لا يصر فاعلها عليها، أما لو أصر عليها فإصراره ومداومته عليها هو الكبيرة.

وحدُّ الإصرار كما قال ابن عبد السلام في قواعد الأحكام: أن تتكرر منه الصغيرة تكرارًا يشعر بقلَّة مُبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك، وقال: وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر به أصغر الكبائر.

وقال أبو عمرو بن الصلاح: المصرُّ من تلبَّس من أضداد التوبة باسم العزم على المعاودة أو باستدامة الفعل بحيث يدخل به ذنبه في حيز ما يطلق عليه الوصف بصيرورته كبيرًا عظيمًا، وليس لزمان ذلك وعدده حصر.

وقال الطيبي: الإصرار ها هنا مطلق، أي من أصر على الذنب، سواء كان صغيرة أو كبيرة، ولأن الاستغفار يرفع الذنوب كلها حتى الشرك.

وقال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وأما من قال بلسانه : أستغفر الله، وقلبه مصر على معصيته، فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبار، إذ لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار. والله أعلم.

لجنة الفتوى – رابطة العلماء السوريين

25- شوال – 1436هـ 


التعليقات