حكم المناداة والدعاء بقول: يا الله

نص الاستشارة :

ورد سؤال للرابطة يسأل صاحبه عن جواز مناداة الله بـ (يا الله) مستشكلا ما زعمه بعضهم –منهم المهندس علي كيالي- من عدم جواز ذلك، مستدلين على ذلك بأمور هي:
1-      عدم ورود نداء الله بـ (يا الله) في كتاب ولا سنة ولا في أقوال وأدعية العلماء والصالحين المقتدى بهم.
2-      أن نداء الله بـ(يا الله) خارج عن نطاق الأدب، لأنه من المتعارف بين الناس عدم مناداة أهل الفضل والمكانة بأسمائهم، وإنما بأوصافهم وكناهم، والله أحق بهذا كله، فلا ينادى باسمه.

الاجابة

اللهم إنا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا،وبعد:
فلا وجه لإنكار دعاء الله سبحانه بـ (يا الله)، وكل ما سيق في إثبات النهي لا تنهض لإثبات تلك الدعوى، والأدلة على بطلان هذا الكلام شرعا ولغة كثيرة جدا.
فقد ورد في العديد من الأحاديث المرفوعة نداء الله ودعاؤه باسمه الله وبغيره من أسمائه الحسنى، وإذا ثبت دعاء الله بببعض أسمائه، فهذا يدلٌّ على جوازه بباقي الأسماء، لأن حكمها واحد، ولا يفرق بينهما إلا جاهل، إذ رضيها الله جميعا أسماء له، ومن تلك الأحاديث:
حديث مِحْجَنَ بنَ الأَدرَع قال: دخل رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -المسجدَ، فإذا هو برجلِ قد قضى صلاتَه وهو يتشهَّدُ، وهو يقول: اللهم إني أسألُكَ يا اللهُ الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلد ولم يُولَد، ولم يكن له كُفواً أحدٌ، أن تَغفِرَ لي ذنوبي، إنك أنْت الغفورُ الرحيمُ، قال: فقال: "قد غُفِرَ له، قد غُفِرَ له " ثلاثاً (أبو داود رقم 985، والنسائي 1301). 
والحديث نصٌّ على سؤال الله بـ: ( يا الله) ونقول: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
 
وفي صحيح مسلم 1/414، وأبو داود 2/624 : عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»
 
وفي أبي داود 2/613: عن أنس: أنه كان مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلم - جالساً ورجُلٌ يُصلِّي، ثم دعا: اللهمَّ إني أسالُك بأنَّ لكَ الحمدَ، لا إله إلا أنْتَ المَنَّانُ بَديعُ السَّماواتِ والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيومُ، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلم -: "لقد دَعا الله باسمِهِ العَظيم الذي إذا دُعِيَ به أجابَ، وإذا سُئِلَ به أعطَى"
 
وروى الترمذي 2/97: عن  ثَوْبَانُ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ»، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»
 
وفي مسند أحمد 29/138: عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " (أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
 
وفي الأدب المفرد 246، والنسائي 3/52: عَنْ أَنَسٍ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَجُلٌ فَقَالَ: يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنِّي أَسْأَلُكَ. فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ»
 
 وأنس بن مالك  رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها : ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين . رواه النسائي في الكبرى 9/212 والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال: صحيح على شرطهما 
والأحاديث السابقة هي أحاديث صحيحة أو حسنة، ولم نرم الاستقصاء في ذلك، وإنما أردنا أن نذكر ما تقوم به الحجة، ويردُّ القول بالمنع، ولو جمعنا كل الأحاديث الوادرة في النداء باسم الله أو أحد أسمائه الحسنى، صحيحها وحسنها وضعيفها، لبلغ الأمر بمجموعها مبلغ التواتر المعنوي. فمن منع الدعاء باسم الجلالة: الله الذي تنطوي تحته كل الأسماء الحسنى ، فيلزمه المنع من نداء الله وسؤاله باسمائه الحسنى الأخرى الواردة في القرآن والسنة.
ولهذا فالقول بالمنع غريب، ولم يرد عن أحد من أهل العلم إنكاره مع شيوع الأمر وعمومه بين المسلمين على مرِّ العصور، وهذه بعض النقول عن الأئمة في الدعاء بيا الله:
 
قال الإمام الطبري في تفسيره جامع البيان 5/299: "أَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ {قُلِ اللَّهُمَّ} فَإِنَّهُ قُلْ يَا مُحَمَّدُ: يَا اللَّهُ."
وقال الإمام البيهقي في شعب الإيمان 2/372: "ذِكْرُ فُصُولٍ فِي الدُّعَاءِ يُحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " الدُّعَاءُ قَوْلُ الْقَائِلِ يَا اللهُ، أَوْ يَا رَحْمَنُ، أَوْ يَا رَحِيمُ وَمَا أشبه ذلك".
وجاء في بحر الفوائد ص34  للكلاباذي الحنفي (380هـ): الدُّعَاءُ مِثْلُ قَوْلِهِ: يَا اللَّهُ، يَا رَحْمَنُ،"
وورد عن عُمَرُ  رضي الله عنه أنه إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: «قَدْ تَرَى مَقَامِي، وَتَعْرِفُ حَاجَتِي، فَارْجِعْنِي مِنْ عِنْدِكَ يَا اللَّهُ بِحَاجَتِي، مُفَلَّجًا مُنَجَّحًا مُسْتَجِيبًا مُسْتَجَابًا لِي، قَدْ غَفَرْتَ لِي وَرَحِمَتْنِي» (مصنف ابن أبي شيبة 6/65)
قَالَ دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ قُنْبُلٌ، سَأَلْنَا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيْنَا التِّسْعَةَ وَتِسْعِينَ اسْمًا الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ فَوَعَدَنَا أَنْ يُخْرِجَهَا لَنَا، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْنَا أَتَيْنَا أَبَا زَيْدٍ فَأَمْلَى عَلَيْنَا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ، فَأَتَيْنَا سُفْيَانَ فَعَرَضْنَاهَا عَلَيْهِ فَنَظَرَ فِيهَا أَرْبَعَ مِرَارٍ فَقَالَ: نَعَمْ هِيَ هَذِهِ، فَقُلْنَا لَهُ: اقْرَأْهَا عَلَيْنَا، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا سُفْيَانُ: فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ: يَا اللَّهُ، يَا رَبُّ، يَا رَحْمَنُ، يَا رَحِيمُ،". (فوائد تمام 1/249)
 
ومن دعاء إبراهيم بن الأدهم : "اللهُمَّ احْرُسْنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاحْفَظْنَا فِي كَنَفِكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَارْحَمْنَا بِقُدْرَتِكَ عَلَيْنَا، وَلَا تُهْلِكْنَا، وَأَنْتَ رَجَاؤُنَا؛ يَا اللهُ يَا اللهُ" (المجالسة وجواهر العلم، 2/75)
 
وورد في آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ب(اللهم)، وقد أجمع أهل العلم أن  (اللهم) تعني يا الله، قال الإمام الخطابي في معالم السنن 1/279: "وقوله (اللهم) نداء معناه يا الله".  وجاء في التفسير القيم 1/206: « لا خلاف أن لفظ «اللهم» معناها: يا الله: ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب". فإذا كان لفظ (اللهم) يعني (يا الله) فلا معنى لإباحة اللفظ الأول ومنع اللفظ الثاني، والتفريق بينهما تنطع.
وأما القول بأن نداء الله باسمه (يا الله) خارج عن نطاق الأدب في الخطاب، وقياسه على أسلوب الخطاب مع أهل المنزلة من البشر، فهو قياس مصادم للنصوص المذكورة، ثم فيه غفلة عن معنى اسم الله، فنحن عندما نخاطب معظما من البشر فإننا نأتي بأعظم أوصافه تأدبا، كلفظ السيد والرئيس والأستاذ ونحو ذلك، أما لفظ (الله)، فهو مجمع الكمالات والصفات، اجتمعت فيه كل الصفات الإلهيَّة والأسماء السَّنيَّة، وهو اسم للذات الإلهية التي لا يشترك معه فيه غيره من المخلوقات.
وأما في اللغة، فلم يرد عن أحد من بلغاء العرب وفصحائهم، ولا عن علماء العربية من النحاة واللغويين والأدباء المنعُ من نداء الله بـ (يا الله)، وهم أهل الأدب والبلاغة، وأعلم الناس بجمال اللغة العربية ومواقع الخطاب فيها، بل لا تكاد تجد إماما في اللغة والنحو إلا وتكلم عن نداء الله بـ (يا الله) وعن سر بقاء الألف واللام عند النداء خلافا لمجرى القياس، ولم يذكر أحد منهم البتة عدم جوازها، أو أنها خلاف الأدب والذوق.، وكذلك وقع بينهم خلاف في حكم الهمزة، من لفظ الجلالة في النداء، وقد ألحقت الفتوى بخلاصة أقوال علماء اللغة في حكم الهمزة من لفظ الجلالة عند النداء من كلام الدكتور العلامة فخر الدين قباوة، لنستدل بذلك على أن نداء الله معروف من كلام العرب غير مستنكر.
لكن قد يسأل سائل عن سبب كون أكثر الدعاء في القرآن والسنة جاء بلفظ (اللهم) وليس (يا الله) وأرى أن الجواب فيما قاله الخطابي في معالم السنن 2/330: "قال النحويون: اللهم يجمع نداء ودعاء، كأنه يقول يا الله أُمَّ بنا خيراً أو أمنا بخير وما أشبه ذلك" .
وقال ابن القيم 1/215: "قال الحسن البصري «اللهم» مجمع الدعاء ، وقال أبو رجاء العطاردي: إن الميم في قوله «اللهم» فيها تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى، وقال النضر بن شميل: من قال «اللهم» فقد دعا الله بجميع أسمائه. وقد وجه طائفة هذا القول بأن الميم هنا بمنزلة الواو الدالة على الجمع، فإنها من مخرجها. فكأن الداعي بها يقول: يا الله الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ولذلك شددت لتكون عوضا عن علامة الجمع. وهي الواو والنون في «مسلمون» ونحوه. وعلى الطريقة التي ذكرناها وهي أن نفس الميم دالة على الجمع لا يحتاج إلى هذا".
فلأجل هذا الملحظ الدقيق ابتدأت كثير من الأدعية المأثورة بـ(اللهم).
ولو فرضنا عدم ورود نص شرعيّ فيه الدعاء بـ(يا الله)، فهذا أيضًا لا يدل مطلقا على عدم جوازه، لأننا مأمورون في القرآن والسنة بدعاء الله، ودعاؤه إنما يكون بندائه، فقولنا (يا الله) هو تحقيق لأمر  الله لنا بدعائه، لأنه أسلوب العرب في النداء والدعاء.
قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن 315: "الدُّعَاء كالنّداء، إلّا أنّ النّداء قد يقال بيا، أو أيا، ونحو ذلك من غير أن يضمّ إليه الاسم، والدُّعَاء لا يكاد يقال إلّا إذا كان معه الاسم، نحو: يا فلان، وقد يستعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر".
فهذا يعني أن العرب إذا أرادت أن تدعو الله، قالت: يا الله.
وما ذكرناه يتفق مع ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) [الإسراء: 110]
فقد ذكر الطبري عند تفسير الآية: عن الأوزاعي، عن مكحول، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم " كان يتهجَّد بمكة ذات ليلة، يقول في سجوده: يا رَحْمَنُ يا رَحيمُ ، فسمعه رجل من المشركين، فلما أصبح قال لأصحابه: انظروا ما قال ابن أبي كبشة، يدعو الليلة الرحمن الذي باليمامة، وكان باليمامة رجل يقال له الرحمن: فنـزلت (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى).
وأختم الجواب بفتوى الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقد سئل عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إذَا دَعَا الْعَبْدُ لَا يَقُولُ: يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ؟، فأجاب في مجموع الفتاوى 22/487: "الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَعَا رَبَّهُ يَقُولُ: يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: {يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ} فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مُحَمَّدٌ يَنْهَانَا أَنْ نَدْعُوَ إلَهَيْنِ وَهُوَ يَدْعُو إلَهَيْنِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أَيْ الْمَدْعُوُّ إلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَسْمَاؤُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} . وَمَنْ أَنْكَرَ أَنْ يُقَالَ: يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
 
 
ملحق في حكم الهمزة من لفظ الجلالة في النداء بقلم الدكتور فخر الدين قباوة
السؤال : ما حكم همزة ’’ أل ‘‘ من لفظ الجلالة في النداء ؟
الجواب : أل : زائدة لازمة في الاسم الأعظم للتزيين اللفظي وللمبالغة في التعظيم ، ويكون نداء هذا الاسم الكريم بـ ’’ يا ‘‘ ، تقول : ’’ يا أللهُ ‘‘ فتقطع همزة الوصل خلافًا لنظائرها ، كما قالوا ’’ أفأللهِ وها أللهِ لأفعلنّ ‘‘ في  القسم ، وكما دخلت عليه ’’ يا ‘‘ في النداء خلافًا للأسماء المحلاّة بـ ’’ أل ‘‘ ، وكما وجب تفخيمُ اللام مع الألف المحذوفة لفظًا في الأصل ، وكما وجب عدمُ الإمالة وإن كان قبل لفظ الجلالة ما يقتضي الإمالة .
هذا هو مذهب الجمهور . قال الخليل : ’’ تقول : يا ألله . ولا يجوز أن تقول : يا الرجل . وإنّما قُطعت هذه الألف على الوصل كما قرأتِ القُرّاء ( ألم أللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ) . الجمل ص 261 - 262 . وقال سيبويه : ’’ حين قالوا : يا أللهُ ، فخالفوا ما فيه الألفُ واللام، لم يصلوا ألفَه وأثبتوها ‘‘. الكتاب 1 : 273 . وفسّر ذلك الجوهريُّ ’’ بأنه يُنوَى به الوقف على حرف النداء تفخيمًا للاسم ‘‘ ، والفارسيُّ بكون ’’ أل ‘‘عوضًا من همزة ’’ إلـٰـهَ ‘‘ المحذوفة . الصحاح ومختار الصحاح واللسان والتاج ( أله ) .
وعلى القطع مذهب العُكبري والزمخشري وابن عقيل وابن أبي الربيع والمرادي وابن كثير والبيضاوي والرضي - علل النحو 1 : 343 وشرح الكافية 1 : 383 و 4 : 297 ومفتاح العلوم ص 43 ومرقاة الماتيح 1 : 11 وتفسير ابن كثير 1 : 21 وتفسير البيضاوي 1 : 2 - وعليه ما جاء من رواية الحديث الشريف في كتب السُّنن ، ورواية الشعر القديم وغيره . ونص العلماء على أن قطع همزة الوصل في النداء شاذّ . الدر المصون 7 : 618. وهذا الشاذ أفصح من القياسي ، لكثرته وحفاظه على الخصائص اللفظية للاسم الأعظم .
وقد خالف بعض الكوفيين ذلك ، فحكى أبو العباس ثعلب أنهم يقولون : ’’ يا اللهُ ‘‘ فيصلون الهمزة - المحكم 4 : 359 -  وتابعه أبو علي الفارسي كما جاء في شرح الكافية 1 : 383 ، وذكر الفراء الوجهين عن العرب في معاني القرآن 1 : 203 - 204 فقال :’’ اللهُمَّ : كلمة تنصبها العرب. . . .  ونرى أنها كانت كلمة ضمّ إليها " اُمَّ "، تريد: يا ألله اُمَّنا بخير، فكثرت فى الكلام فاختلطت. فالرفعة التى فى الهاء من همزة " أُمّ " لمّا تُركت انتقلت إلى ما قبلها. . . .  ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: " يا أللهُ اغفِرْ لي، ويا اللهُ اغفِرْ لي "، فيهمزون ألفها ويحذفونها. فمن حذفها فهو على السبيل لأنها ألف ولام مثل " الحارث " من الأسماء، ومن همزها توهّم أنها من الحرف إذ كانت لا تسقط منه . أنشدنى بعضهم :
                    مُبارَكٌ هُوَّ ومَن سَمّاهُ    علَى اسمِكَ ، اللَّهُمَّ يا أللهُ ‘‘ .
وانظر الإنصاف 1 : 339وشرح عمدة الحافظ ص 298 واللسان والتاج ( أله ) .
   ولذلك أجاز المتأخرون الوجهين معًا ، كما في اللمع واللمحة في شرح الملحة وشرح الكافية الشافية وشروح الألفية والهمع والدر المصون . وإنما يجب وصل الهمزة إذا أُلحق في النداء ميم مشددة بآخر لفظ الجلالة ، نحو :
          * إنْ تَغفِرِ اللّهُمَّ تَغفِرْ جَمّا *                   و  * أقُولُ : يا اللّهُمَّ يا اللّهُمّا *
وجاء عنهم في الجاهلية حذف ’’ أل ‘‘ فقالوا : ’’ لاهُمَّ اغفرْ لنا ‘‘ ، وفيه رسم الألف المحذوفة ، وترقيقها مع اللام لعدم ’’ يا ‘‘ قبله كما كان في : تَغفرِ اللّهمّ . وكُرِهَ ذلك في الإسلام لإخلاله بخصائص اللفظ الأكرم ، فجاء منه قول سَلَمة بن الأكوع :
                       لاهُمَّ ، لَولا أنتَ ما اهتَدَينا    ولا تَــصـَـدَّقـنـا ، ولا صًــلَّــيـنـا
 
انظر كتاب العين ( أله ) . والحمد لله رب العالمين .                              فخر الدين قباوة
 
 

 


التعليقات