هل يحاسب من ينشق عن النظام على جرائمه السابقة؟‎

نص الاستشارة :

هل يحاسب من ينشق عن النظام على جرائمه السابقة؟

الاجابة

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

من انشق تائبا لله تعالى فتوبته مقبولة ولا يحاسب؛ لأنه تاب قبل القدرة عليه؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

 

وقد اختلف العلماء في تضمين التائب قبل القدرة عليه الأموال والدماء.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: إذا تاب المحاربون بعد القدرة عليهم، فتوبتهم حينئذ لا تغير شيئاً من إقامة الحدود المذكورة عليهم، وأما إن جاؤوا تائبين قبل القدرة عليهم، فليس للإمام عليهم حينئذ سبيل. لأنهم تسقط عنهم حدود الله، وتبقى عليهم حقوق الآدميين، فيقتص منهم في الأنفس والجراح، ويلزمهم غرم ما أتلفوه من الأموال، ولولي الدم حينئذ العفو إن شاء، ولصاحب المال إسقاطه عنهم.

 

وهذا قول أكثر العلماء مع الإجماع على سقوط حدود الله عنهم بتوبتهم قبل القدرة عليهم، كما هو صريح قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } [المائدة: 34] الآية. وإنما لزم أخذ ما بأيديهم من الأموال، وتضمينهم ما استهلكوا؛ لأن ذلك غصب، فلا يجوز لهم تملكه.

 

وقال قوم من الصحابة والتابعين: لا يطلب المحارب الذي جاء تائباً قبل القدرة عليه إلا بما وجد معه من المال، وأما ما استهلكه، فلا يطلب به، وذكر الطبري هذا عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه.

قال القرطبي: وهو الظاهر من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بحارثة بن بدر الغداني، فإنه كان محارباً، ثم تاب قبل القدرة عليه، فكتب له سقوط الأموال والدم عنه كتاباً منشوراً، ونحوه ذكره ابن جرير انتهى.

 

وعليه: فإن تاب في غير موضع قتال فنرجح ألا يؤخذ بالحق العام، واذا كان مقاتلا وطلب الانشقاق قبل القدرة عليه وأجبناه الى طلبه فهذا أمان يسقط المؤاخذة والضمان فيما أتلفه مما هو بسبب المعركة ولكن قد يؤخذ بجرائم لا علاقة لها بطبيعة القتال كالاغتصاب والجرائم التي ارتكبها لسبب آخر. والله تعالى أعلم.

 

لجنة الفتوى – رابطة العلماء السوريين

24 – شعبان – 1435هـ


التعليقات