حكم الكنز في أرض مملوكة

نص الاستشارة :

وجد في أرض غيره كنزاً، فما حكمه؟ هل يردّها لصاحب الأرض، أم للدولة أم تكون له ؟

الاجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه:

هذه مسألة شائكة ولها تفصيلات كثيرة، ولكن لا بد بداية من تعريف الكنز، فهو لغة: المال المجموع المدخر، وفي الاصطلاح: قال ابن عابدين: الكنز في الأصل اسم للمثبت في الأرض بفعل إنسان، والإنسان يشمل المؤمن أيضا لكن خصه الشارع بالكافر لأن كنزه هو الذي يخمس، وأما كنز المسلم فلقطة، وهو كذلك عند سائر الفقهاء.

والكنز أعم من الركاز؛ لأن الركاز دفين الجاهلية فقط، والكنز دفين الجاهلية وأهل الإسلام، وإن اختلفا في الأحكام.

والكنوز إما أن تكون إسلامية، أو جاهلية، أو مشتبهة الأصل.

أما الكنوز الإسلامية: فهي التي يغلب في الظن نسبتها إلى أحد من المسلمين، وذلك إذا كان عليها نقش من النقوش الإسلامية، وعندئذ يكون يأخذ حكمه اتجاهين:

أولاً: أن لا يأخذ حكم اللقطة، ويلزم واجده أن يحفظه أبدا، قال النووي: فعلى هذا يمسكه الواجد أبدا وللسلطان حفظه في بيت المال كسائر الأموال الضائعة، فإن رأى الإمام حفظه أبدا فعل، وإن رأى اقتراضه لمصلحة فعل، وعلى هذا الوجه لا يملكه الواجد بحال.

أما الاتجاه الآخر: فهو إلحاق ما يعد من هذه الكنوز باللقطة في الردِّ على المالك إن عرف، وفي التعريف ، وفي التصرف فيها كاللقطة.

أما وجوب التعريف بها وعدم كتمانها أو إخفائها فلا خلاف فيه بين الفقهاء، إلا أن يضر به هذا التعريف فيعذر عنه. ومدة التعريف عند الحنفية سنة فيما تزيد قيمته على عشرة دراهم، وما قلت قيمته عن ذلك يعرف أياما عندهم.

ولا خلاف بين أحد من الفقهاء في وجوب دفع الكنز لصاحبه إن وجد أما إن لم يوجد صاحبه فقد اختلفوا في حكمه بناء على اختلافهم فيما يجب في اللقطة التي لا يدرى صاحبها بعد تعريفها التعريف الواجب .

وأما كنوز الجاهلية: فهي دفين غير مسلم ولا ذمي. وغير المدفون من الأموال يلتحق بالمدفون قياسا عليه. وقال الشافعية: لا بد أن يكون الموجود مدفونا، فلو وجده ظاهرا وعلم أن السيل أو السبع أو نحو ذلك أظهره فركاز، أو علم أنه كان ظاهرا فلقطة، فإن شك كان لقطة كما لو تردد في كونه ضرب الجاهلية أو الإسلام، قاله الماوردي.

وقد ورد في السنة الإشارة إلى هذا النوع من الكنوز بهذا الاصطلاح الذي اتبعه الفقهاء فيما بعد، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: الكنز نجده في الخُرب وفي الآرام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيه وفي الرِّكاز الخمس ".

والضابط في التحاق ما يكتشف من الأموال بكنوز الجاهلية أن يعلم أنها من دفنهم ، ولم تدخل في ملك أحد من المسلمين ولا من أهل الذمة، وإنما يظن ذلك ظنا غالبا بأن تكون عليه علاماتهم أو نقوشهم أو أي شيء آخر يدل عليهم ، جاء في المغني اعتبار الكنز دفنا جاهليا بأن ترى عليه علاماتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك  .

وحكم هذا الكنز وجوب الخمس فيه باتفاق الفقهاء، قال الحنفية: يدفع للفقراء، وقال المالكية : هو كمصرف خمس الغنيمة، وقال الشافعية: كمصرف الزكاة، وقال الحنابلة: كمصرف الفيء، والأربعة أخماس هي لمالك الأرض أو لورثته، إن كانوا أحياء، وإلا فلبيت مال المسلمين إن وجد، وواجد الكنز يأخذ من الخمس.

وأما الكنز المشتبه الأصل: فهو الذي لا نعرف حقيقته، بأن لا يوجد عليه أثر مطلقا، وقد اختلف الفقهاء في حكم هذا الكنز، فألحقه الحنفية في ظاهر المذهب والمالكية والحنابلة وهو قول عند الشافعية بكنوز الجاهلية فيعطى حكم الركاز، وألحقه بعض الحنفية والشافعية في الأصح بالكنوز الإسلامية فيعطى حكم اللقطة.. هذا والله أعلم


التعليقات