من أحكام اللعن

نص الاستشارة :

ما حكم اللعن ؟ 

الاجابة

 

عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ – رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: " لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ "(1).

أولًا - تعريفه:

اللعن في اللغة: الإبعاد والطرد. وفى الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى.

واللعن إما يكون على جهة الإخبار، ويشترط فيه الصدق، وإما يكون على جهة الدعاء، ويشترط فيه توجيهه لمن يستحقه.

ومن أدلة اللعن الإخباري قول الله – جل جلاله -: أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) [هود].

ومن أدلة اللعن الدعائي قول الله – سبحانه وتعالى -: (رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) [الأحزاب]. 

ثانيًا - حكمه: 

اللعن أكثره محرم، وقليله مباح، والمحرم منه أنواع:

أ – لعن المسلم: 

لعن المسلم حرام باتفاق العلماء؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم– شبهه بالقتل في أصل التحريم، وان كان القتل أغلظ، " لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ ". 

وقال أيضًا – صلى الله عليه وسلم– " مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ، رَجَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ "(2).

لأنك إنك كنت تقصد بلعنه الدعاء فقد أسأت إليه، وأردت له الكفر والعذاب، وهذا يخالف ما عليه أمر الدين، فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ: لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ "(3). وقوله: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ؛ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ "(4).

أما إن كنت تقصد بلعنه الإخبار، فالخطب فيه أكبر؛ لأنك لا تدري بأنه سوف يموت ملعونًا، مطرودًا من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن تُبعد من رحمة الله تعالى من لا تَعرف حاله، وخاتمة أمره معرفةً قطعيةً.

ب – لعن الكافر المعين ما دام حيًّا: 

لأنك إن كنت بلعنك إياه مخبرًا، فلا يحل لك ذلك، فإنك لا تعلم عاقبة أمره، فقد يسلم، ويحسن إسلامه، وإن كنت تريد بلعنه الدعاء، فقد أسأت وما أصبت، فكأنك بذلك تسأل الله – سبحانه – أن يديم عليه كفره، والله لا يرضى لعباده الكفر، فهو – سبحانه – يقول: (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ )(الزمر: من الآية7) ويقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: " فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ "(5).

ولما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر باللعنة على رجال معينين من المشركين، وذلك بعد غزوة أحد، وقال: " اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا "... أَنْزَلَ اللهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)(آل عمران:128). والحديث بتمامه في البخاري(6)، وعند الترمذي زيادة: " فهداهم الله للإسلام "(7).

ج – لعن الدواب والأشياء: 

أنزل الله دين الإسلام رحمةً للعالمين: رحمةً بالإنس والجن، والحيوان والنبات، والجماد، قال الله – عز وجل -: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء:107).

فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – " أَنَّ رَجُلًا... نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ...؛ فَلَعَنَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَلْعَنْهَا؛ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ، رَجَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ "(8).

وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ – رضي الله عنه – قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ؛ فَلَعَنَتْهَا! فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: " خُذُوا مَا عَلَيْهَا، وَدَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ". قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ "(9). 

ثالثًا – اللعن المباح:

ويتعلق هذا النوع من اللعن بكل من مات على ملة الكفر، فردًا كان، أو جماعة.

وأما الأحياء فيباح لعن كلِّ من وجبت عليه اللعنة بالنص الشرعي فردًا كان الملعون أو جماعة، أما لعن الفرد الحي، فقد لا نجد لهم مثالاً سوى إبليس – عليه اللعنة –، وفيه يقول الله – سبحانه وتعالى -: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً)(118)[النساء].

وأما لعن الجماعة من الأحياء على جهة العموم – وليس الخصوص - فهو المتصل بالوصف لا بالشخص، فهو مباح في حق العامة، ومحظور في حق الخاصة، والأدلة على مشروعيته كثيرة، منها قول الله تعالى: (أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)[هود].

 فكل من اتصف بالظلم ملعون بلا ريب، ولكن الشرع لا يأذن لك أن تلعن كل ظالم على حدة، فتقول: فلان ظالم ملعون، لك أن تقول: إنه ظالم، وليس لك أن تقول: إنه ملعون. حتى لا تحكم بطرده من رحمة الله، وهذا ليس إليك، بل هو لله رب العالمين، فكم من ظالم قد تاب وأناب، وخُتم له بالإيمان؟!

قال النووي(10) - رحمه الله تعالى -: اتفق العلماء على أنه لا يجوز لعن أحد بعينه: مسلمًا كان، أو كافرًا، أو دابةً، إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، أو يموت عليه، كأبي جهل، وإبليس.

وأما اللعن بالوصف فليس بحرام، كلعنِ الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، والمصورين، والظالمين، والفاسقين، والكافرين، ولعنِ من غيَّر منار الأرض، ومن تولى غير مواليه، ومن انتسب إلى غير أبيه، ومن أحدث في الإسلام حدثًا، أو آوى مُحدِثًا، وغيرِ ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية بإطلاقه على الأوصاف، لا على الأعيان، والله أعلم.

رابعًا – كفارة اللعن:

قد ينزلق لسانك بلعن من لا يستحق اللعن، فما تصنع؟

تعتذر إليه، ويستحب أن تصنع إليه معروفًا، كالإهداء ونحوه، بعد أن تستغفر الله عز وجل، فعن سالم بن عبد الله قال: قال عبد الله بن عمر : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: " لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعَّانًا " وكان سالم يقول " ما سمعت عبد الله لاعنًا أحدًا قط؛ ليس إنسانًا "(11). أي إلا إنسانًا واحدًا.

وفي رواية البيهقي: " ما لعنَ ابنُ عمرَ خادِمًا له قَطُّ إلا واحدًا؛ فأَعْتَقَهُ "(12). 

وكلمة " لعَّانًا " في الحديث جاءت بصيغة المبالغة؛ لتدل على صعوبة التحرُّز عن قليل اللعن، وهذا ما جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يحسب له حسابه، فاشترط على ربه أن يجعل ذلك منه كفارة وأجرًا وقُربة لصاحبه، فقال: " اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ(13)؛ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا "(14). 

والله تعالى أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من حديث أخرجه البخاري: 6105 في " الأدب ". ومسلم: 110 في " الإيمان ".

(2) أبو داود: 4908 في " الأدب "، وهو صحيح.

(3) البخاري: 2442 في " المظالم والغصب "، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(4) النسائي: 5017 في " الإيمان "، وهو في البخاري - بلفظ مقارب -: 13 في " الإيمان "، وهو عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(5) البخاري: 3009 في " الجهاد والسير "، عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه.

(6) برقم: 4070 في " المغازي "، وهو عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(7) برقم: 3005 في " تفسير القرآن "، وهو حسن صحيح. والحديث أخرجه البخاري بلفظ آخر.

(8) أبو داود: 4908 في " الأدب "، وهو صحيح.

(9) مسلم: 2595 في " البر والصلة ".

(10) انظر: - شرح النووي على مسلم – دار إحياء التراث العربي - (ج 2 / ص 67).

(11) البخاري – في الأدب المفرد -: 309، وهو حسن صحيح. والمرفوع منه أخرجه الترمذي - 2019 -في " البر والصلة " – بلفظ: " لا يكونُ المؤمنُ لعَّانًا "، وقال: حسن غريب.

(12) شعب الإيمان: 5157، وسنده صحيح.

(13) في حديث أبي هريرة: " يغضب كما يغضب البشر "، أخرجه مسلم: 2601 في " البر والصلة ".

(14) مسلم: 2600 في " البر والصلة "، وهو عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.


التعليقات