حكم العادة السريَّة (الاستمناء)

نص الاستشارة :

جاءنا استفتاء من أحد الشُّبّان يلح فيه بالسؤال عن حكم (العادة السِّرِّيّة) شرعًا ويقول فيه إنّه أرسل سؤالاً سابقًا عن هذا الموضع فلم تنشُر عنه المجلة جوابًا، والآن يطلب الجواب بإلحاح، ويُنذِر بأنه سيُحاسبنا أمام الله ـ تعالى ـ إذا أُهْمِل سؤالُه كما أُهْمِل سابقًا.

وكانت قد جاءتنا أسئلة مماثِلة، منها سؤال يَذكر فيه صاحبُه أنه مبتلًى بالإفراط في هذه العادة، ومُتضرِّر منها في صحّته، ولا يستطيع تركَها.

وقد رجونا الأستاذ مصطفى الزرقا أن يكتب الجواب: فتفضل بكتابة ما يلي:

الاجابة

(*) العادة السِّرِّيّة (أي: الاستمناء باليد) ينظر فيها من ناحيتين: الناحية الصِّحّيّة وانعكاساتها على صِحّة الجسم وأثرها فيه، والناحية الشّرعيّة لمعرفة حكم الشّريعة فيها.

أ) فأمّا من الناحية الصحية فمرجعها إلى الطِّبّ والأطِبّاء، فهم أهل الاختصاص ببيان مَضارّ هذه العادة من الناحية الصِّحِّيّة نوعًا ودرجة في مختلف الأحوال، أي: في حالة الإفراط أو الاعتدال. ولكني أستطيع هنا أن أقول: إن الشّائع بين الناس أن هذه العادة مُضِرّة صِحِّيًّا في جميع الأحوال حتّى في حالة عدم الإفراط، إلى درجة تُورِّث أوهامًا لدى من يقع فيها، ولكن الذي يقوله الأطباء المحقِّقون أن الضَّرَر الصِّحّي فيها إنما ينشأ من الإفراط، لا من أصل المُمارَسة المُقتصِدة المُقتصِرة على حالات الدوافع الشديدة.

ب) وأما من الناحية الشرعيّة والحكم فيها، فيجب أن نشير أولاً وقبل البحث إلى أنه يُروى في هذا الصّدد حديث نبوي يقول: "ناكِح الكَفِّ ملعونٌ".

فهذا الحديث شائع بهذا اللفظ، وهو في المصادِر الحديثيّة التي تنقله جزء من حديث مَرويّ أطول منه. وقد حكم علماء الحديث عليه كلِّه بالوضع أو الضعف، فبعضهم طَعَن فيه بأنه موضوع، وبعضهم بأنه ضعيف، وفي كلا الحالين لا يجوز اعتبارُه ولا بناءُ حكم عليه(1) فالنظر الشرعي يجب أن يُبنى على أساس عدم وجود هذا النص الشائع، بل على أساس الأدلة الشرعيّة الأخرى.

وبناء على ذلك نقول: إن النصّ الوحيد الثابت الذي له صلة بالموضوع هو قوله ـ تعالى ـ في القرآن العظيم في وصف المؤمنين: (والذِين هُمْ لِفُروجِهمْ حافِظون. إِلّا عَلَى أَزْواجِهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانهم فإنَّهم غَيْرُ مَلومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العَادُونَ) (المؤمنون : 5-7).

فمن الفقهاء من يَرى أن هذه العادةَ تدخل فيما (وراء ذلك)، فتكون حَرامًا لأنها اجتياز للحدود المسموحة، وهو المعنى المقصود من قوله تعالى: (فأُولئِكَ هُمُ العادُونَ). وإلى هذا يميل الشافعيّة.

ومنهم من يرى أن المقصود بالعدوان على الحدود إنما هو الزِّنى وما بمعناه، فلا تكون العادة السِّرِّيّة داخلةً في عموم هذا النَّصِّ، بل يجب أن تُحكَّم فيها أدلة أخرى. وكلام فقهاء الحنفيّة أقرب إلى هذا المنحَى، فهم قد عالجوا حكم هذه العادة، وقالوا: إنّها من المحظورات في الأصل، ولكنها تباح بشرائط ثلاث:

1 ـ ألّا يكونَ الرجل مُتَزَوِّجًا.

2 ـ وأن يَخْشَى الوقوعَ في الزِّنَى إن لم يفعلْها.

3 ـ وألّا يكونَ قصدُه تحصيل اللذة، بل يَنوي كَسر شدّة الشَّبَق الواقع فيه.

والحاصل أن القواعد العامّة في الشريعة تقضي بحظر هذه العادة؛ لأنها ليست هي الوسيلةَ الطبيعيّة لقضاء الحاجة الجنسيّة، بل هي انحراف، وهذا يكفي للحظر والكَراهة، وإن لم يدخل الشيء في حدود الحرام القطعي كالزِّنى.

ولكن تُحكَّم هنا قاعدة الاضطرار أيضًا من قواعد الشريعة، فإذا خَشِيَ الوقوع في محظور أعظم كالزّنى، أو الاضطرابات النفسيّة المُضِرّة، فإنها تُباح في حدود دفع ذلك، على أساس أن الضّرورات تقدر بقدرها.

ومعنى ذلك أن الإفراط في جميع الأحوال غير جائز لسببين:

أولاً: لأنّه لا ضرورة فيه؛ إذ الدّوافعُ إليه عندئذٍ ابتغاء اللّذة لا تَخفيفُ ألم الدوافع.

ثانيًا: لأنه مُضِرٌّ صِحِّيًّا دون ريب، وما كان مُضِرًّا طِبِّيًا فهو محظور شرعًا، وهذا محلُّ اتفاق بين الفقهاء.

ويجب الانتباه أخيرًا إلى أن من الملحوظ في هذا الحكم شريطتَيْن أخريين غير ما يصرِّح به الحنفية مفهومتين من القواعد العامّة أيضًا، وهما:

1 - عدم تيسُّر الزّواج للرّجل.

2 - عدم تمكُّنه من الصيام الذي أرشد إليه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الأحاديث الثابتة؛ ممّن لا تساعِده ظروفُه المادِّيّة على الزواج، حيث قال ـ عليه الصلاة والسلام: "فعليه بالصّوم فإنه له وِجاء"(2). أو إذا كان لجأ إلى الصوم، ولكنّه لم يَكْفِ صومُه لكسر شدة تَوقانِه.

هذا ما أرى أنّه الموقف الشرعيّ الصّحيح في هذا المَوضوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 ***  ***  ***

تعقيب مجلة الحضارة:

ونحن إذ نُقَدِّم هذه الفتوى الغالية الحكيمةَ التي تفضّل بها أستاذنا الزرقا ـ شكر الله له ـ لا ننسى أن نقرِّر حقيقة ماثِلةً صارخةً هي: أن عوامل التوجيه التي كان ينبغي أن تكون فِينا عواملَ ارتقاءٍ ـ كما هو الشأن في الأُمَم الغالبة اليوم ـ تَنْقلِب عواملِ إفناءٍ وتمزيق لما بقي في شَبابنا من رجولة وحياء، نحن أحوج ما نكون إليهما في كِفاحنا نحو أهدافنا المُثْلَى، هذا بالإضافة إلى إثقال العادات والتقاليد التي تعوق أمر الزواج وتُيَسِّر الفاحشة، مما لا يَرضى عنه الإسلام بحال من الأحوال.

كما لا ننسى ذلك المستوى الرُّوحي العالي الذي يجعلنا فيه الإسلام العظيم، ذلك المصنع التّربويّ الكامل لكلِّ ذاتٍ بشريّة تبغي سُمُوًّا فوق التراب ولذّاته، وترتقي صعدًا لتحظَى بعبوديتها لله، متحرِّرة من كل عبوديّة أخرى من داخل النفس وشهواتها، أو من خارجها، بأي شكل من أشكالها ظهرت في المُجتمع.

فطوبى للشّباب المؤمِن الذي يعيش مع ربِّه خاشِعًا متعبِّدًا له، بالصّوم وغيره من القُرُبات، ذاكرًا ـ وبحُرقة صادِقة ـ أولئك الأبطال الصّادقين من أصحاب محمدٍ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وأتباعه إلى يوم الناس هذا، فهو في نجوى دائمة مع رُوح مُصعب بن عُمير، وحمزة بن عبد المطلب، وأنس بن النّضْر، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رَواحة، وغيرهم من الكثير الكثير كعُمر المختار، وعز الدين القسام في عصرنا هذا، رحمهما الله تعالى.

طوبَى لأولئك الشباب الذين تؤرِّقهم همومُ أمتهم التي تعد اليوم أكثر من ستمائة مليونٍ، والتي تقِف متطلِّعة إلى اليوم الذي تُركَز فيه راية الله في الأرض، بعد أن تحرّرت من أغلالها التي كُبِّلت فيها على مدى الزمن.

ولعل القارئ يُدرك معنا أن من طبيعة الإنسان أن تَعرض في حياته لحظةٌ من لحظات الضَّعف، يتعثَّر فيها، ولكنه كالجواد الأصيل لا يتعثَّر إلا لينطلِق من جديد، على أصالته نحو هدفه البعيد… والله المستعان.

(وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) (فصلت : 36) (إنَّ الذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف : 201).

 

هامش

* .مجلة حضارة الإسلام، العدد الخامس، السنة السادسة 1385هـ / 1965 عناية وتحقيق الشيخ: مجد أحمد مكي

(1) هذا الحديث أورده ابن كثير بلفظ آخر عند تفسير قوله تعالى: (فأولئِكَ هُمُ العادُون) من سورة المؤمنون. ثم قال: هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف لجَهالتِه.

(2) عند عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "يا معشرَ الشَّباب مَن استَطاع منكم الباءةَ فليتزوجْ، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصَنُ للفَرج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصّوم فإنه له وِجاء". أخرجه البخاري (5065) ومسلم (1400) في النكاح، والباءة: الجماع، والوِجاء: نوع من الخِصاء، أي أن الصّوم يقطع شهوةَ الجِماع.


التعليقات