بدعة أم كفر؟

نص الاستشارة :

بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب المعالي، العلماء، حفظهم الله تعالى.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، إِنَّ التَّوْقِيفِيَّةَ في العبادةِ لا يكاد كثير من الناسِ يعتدُّون بها في بلادنا (تركيا)، أو للجهل المتفشي بالأصول في مجتمعنا ممَّا تمخضتْ عن هذه السلبيةِ انتشارُ الفوضى في العبادة (خاصةً في الذّكرِ والدّعاءِ)، فتذبذب الناسُ بين الإفراط والتفريط في عبادتهم لله. وبهذه المناسبة دعت الحاجةُ لاستبانةِ الحكمِ الشرعيِّ في شكلين من البدعة جَرَتْ فيهما نقاشٌ منذ فترةٍ دون جدوى. السؤال الأوّل: إنَّ شخصًا يصلّي فريضةَ الظُّهْرِ خمسَ رَكَعَاتٍ متّصلاتٍ عمدًا وَيَعْتَادُهَا، (بينما أجمعتْ أمةُ الإسلامِ على أنّها أربعَ ركعاتٍ) ثمّ يَرُدُّ على مَنْ أنكر عليه بقوله: إنّي ما نقصتُ من عددِ رَكَعَاتِ هذه الفريضةِ، بل زدتُ فيها ركعةً للقُرْبَةِ، والإكثارُ من العبادة مطلوبٌ. اختلف الحكمُ على هذا الشخصِ في وجهين: قال بعضهم: إنّه مبتدعٌ آثمٌ، وعلى جهاتِ الإختصاصِ إرشادُهُ واستتابتُهُ فحسب، ولا يجوز الطّعنُ في إسلامه، إنّه مِنْ أهلِ القبلةِ، تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وإن كان متعمّدًا ومصرًّا في بدعتهِ هذه، ما دام لا يَفْتِنُ الناسَ عن دينهم، ويجوز الاقتداءُ به في صلاتهِ إذا التزمَ بالتَّوْقِيفِيَّةِ ولو في أثناءِ إمامتهِ فحسب؛ وقال آخرُ: إنه زنديقٌ خارجٌ عن الملّةِ، لا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ إنْ كان متعمّدًا ومصرًّا في بدعتهِ، وإنْ لم يكنْ يَفْتِنُ الناسَ عن دينهم، ولا يجوز الاقتداءُ به في صلاته، ولو التزم بالتَّوْقِيفِيَّةِ في أثناءِ إمامتهِ فإنَّ ذلك نفاقٌ منه! والسؤال الثاني: إنَّ شخصًا يصلّي فريضةَ الظُّهْرِ ثلاثَ رَكَعَاتٍ فحسب، ويتعمّدُ هذا التفريطَ مع الإصرار، (بينما أجمعتْ أمةُ الإسلام على أنّها أربعَ ركعاتٍ) ثمّ يردُّ على مَنْ أنكره بقوله: إنّ اليُسرَ مطلوبٌ في الإسلام، وإنّي آخذٌ بالرُّخْصَةِ معتقدًا بسماحةِ الإسلام في مثل هذا التسهيل، وما أراكم إلاَّ أهلَ تشديدٍ وإكراهٍ، والله تعالى يقول: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ! فنرجو من كرمكم تبيينَ الحكمِ الشرعيِّ في فاعل كلٍ من البدعتين المذكورتين، وأجركم على الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اسطنبول/‏الخميس‏ 04 شباط 2021م

الاجابة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

من العبادات ما شُرِعَ مع طلب الإكثار منه كالذكر والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصوم النافلة وصلاة النافلة والصدقة وغيرها، وهذه وإن وردت غير مقيّدة بعدد لكنّها مقيّدة بهيئة لا يجوز تجاوزها ولا تغييرها، فمن أراد الصوم وجب عليه الإمساك من الفجر إلى المغرب، وليس له الحقّ أن يمسك من الظهر إلى العشاء مثلا! ومن أراد أن يصلّي ركعتين نفلا وجب عليه لكلّ ركعة منهما ركوعٌ واحدٌ وسجودان، ولا يجوز له أن يصلّي هذه الصلاة النافلة بركوعين وسجود واحد فقط!

ومن العبادات ما شُرِعَ على هيئةٍ وعددٍ أو وقتٍ أو مكانٍ مقدّرًا بها مقيّدًا جوازه وصحّته بوجودها وتحقّقها، فلا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه، ولا تصحّ عبادته مع الزيادة أو النقصان في هذه الصورة، ومن فعل شيئا من ذلك لم يجزه هذا الفعل ولا سقط عنه ما وجب عليه.

ومن فعل غير المشروع المقيّد بعدد أو هيئة أو مكان أو زمان على غير الهيئة التي شرع عليها عامدًا فهو آثم بلا ريب، وهو مبتدعٌ في دين الله تعالى ما لم يُشرع فيه، وإذا اعتقد حلّ ذلك كفر، وذلك لإنكاره إجماع الأمة المتوارث المنقول عبر الأجيال بلا خلاف بين المسلمين في مثل عدد ركعات صلاة الظهر مثلا، فمن أنكر أن يكون الفرض فيها أربعا فهو كافر، لمخالفته القطعيّ المعلوم بالضرورة من الأحكام.

والله أعلم


التعليقات