دعوت ولم يستجب لي فماذا أصنع

نص الاستشارة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته علماء الشام الجريح... مشايخنا الافاضل

الحق أن الله فتح علي بالتضرع اليه والانكسار ببابه وأذاقني لذة القرب والمناجاة ما ينيف على 13سنة لكن ليومنا هذا لا ألقى إجابة ولا توفيقا ولم أشفع في حاجتي، غير أنني لا أزكي نفسي مع اعترافي أمام الله بذنوبي وعيوبي كما هو شان كل إنسان، فكيف أفهم عن الله عدم إجابة الدعاء والحال هذه. ويعلم الله أنني أدعوه دعاء اضطرار... والله حائر ولم أفهم.

أفتونا مشكورين وبارك الله فيكم وفي جهودكم وجهادكم.

الاجابة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نحن عبيد لله تعالى مفتقرون إليه في كل لحظة، وكل أمر في هذا الكون يسير وفق حكمة الله تعالى وتدبيره للأمور، من أكبر الأمور، إلى أصغر التفاصيل وأدقها.. واعلم بأن الله تعالى إذا فتح لك باب الدعاء والاضطرار فيه فإنه قد فتح لك باب الإجابة بدليل قول الله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون} [النمل:62].

وعليك أن تتهم نفسك دوماً فلعلّ شيئًا من الذنوب كان سبباً في تأخير الإجابة، ولعل هناك أمرًا آخر تأخرت الإجابة من أجله يكون فيه خير لك فهو سبحانه الحكيم العليم، قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة لحكمةٍ بالغة، وقد يعطيك خيرًا مما سألت، وقد يصرف عنك من الشر أفضل مما سألت.

عن عبادة بن الصامت، حدثهم، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم»، فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: «الله أكثر». [رواه أحمد، والترمذي].

ومن آداب الدعاء أن لا يعجل المرء الإجابة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي " [رواه البخاري ومسلم]

قال الإمام ابن حجر في فتح الباري (11/ 141): في هذا الحديث أدب من آداب الدعاء وهو أنه يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار.

وقال الإمام ابن بطَّال: قال بعض العلماء: قوله: (ما لم يعجل) يعنى: يسأم الدعاء ويتركه، فيكون كالمَانِّ بدعائه، وأنه قد أتى من الدعاء ما كان يستحقُّ به الإجابة، فيصير كالمبخل لربّ كريم، لا تعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء، ولا تضره الذنوب.

وإنما يعجل العبد إذا كان غرضه من الدعاء نيل ما سأل، وإذا لم ينل ما يريد ثقل عليه الدعاء، ويجب أن يكون غرض العبد من الدعاء هو الدعاء لله، والسؤال منه، والافتقار إليه أبدًا، ولا يفارق سمة العبودية وعلامة الرق والانقياد للأمر والنهي والاستسلام لربّه تعالى بالذّلة والخشوع، فإن الله تعالى يحب الإلحاح فى الدعاء.

وقال بعض السلف: لأنا أشد خشيةً أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة، وذلك أن الله تعالى يقول: (ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60]، فقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة وهو لا يخلف الميعاد.

فاستمر وألح في دعائك أخي الكريم، فكما أنَّه سبحانه عجَّل لك بعض الأمور لحكمة، فكذلك يؤخر عنك بعض الأمور لحكمة يعلمها. ومن هنا قال أحمد بن عطاء الله السكندري: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء". فحينما تُكشف الحقائق، وينكشف سر القضاء والقدر يذوب المؤمن محبة لله عزَّ وجلَّ لما ساقه إليه من شدائد وأقدار، وبما ناله من أجر، وما ادخره الله له من الخيرات ببركة دعائه.


التعليقات