الفرق بين التوبة والأوبة والإنابة

نص الاستشارة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

سؤالي نفع الله بكم هو التالي: ما هو الفرق بين التوبة (تواب) والإنابة (منيب)، والأوبة (أواب) في القرآن الكريم.. بحثت كثيرا وما اهتديتُ للفرق.

الاجابة

أصل التوبة: الرجوع، وتوبة الله على العبد قبوله توبته، وأن يخلق الإنابة والرجوع في قلب المسيء، ويزيِّن جوارحه الظاهرة بالطاعات، بعد ما لوَّثها بالمعاصي والخطيئات. أما توّابٌ: فهو من صيغ المبالغة، أُطلق عليه تعالى في صدور الفعل منه، وكثرة قبوله توبة المذنبين؛ لكثرة من يتوب إليه.

وقد تُستعمل التوبة والإنابة بمعنى واحد أحيانا، قال الإمام ابن فورك: الإنابة: الرجوع عن السيئة بالندم عليها، والعزم على ترك معاودتها. ونظير الإنابة: التوبة.

وفرَّق بعض العلماء بين الإنابة والتوبة: بأنَّ التائب قد يرجع من خوف العقوبة، والمنيب يرجع استحياء لكرمه - تعالى - وذكر الإخلاص بعد الإنابة ليعلم العبد أن نجاته بفضل الإخلاص لله في توبته.

ومما يشهد لذلك قول العسكري في الفروق اللغوية ص: 303: الْإِنَابَة الرُّجُوع إِلَى الطَّاعَة. وقول إبراهيم بن أدهم رحمه الله: إذا صدق العبد في توبته صار منيبًا؛ لأنَّ الإنابة ثاني درجة التوبة. وقول أبي سعيد القرشي: المنيب: الراجع عن كل شيء يشغله عن الله إلى الله.

بهذا يُعلم أنَّ الإنابة درجة أعلى من التوبة، فالمنيب هو الذي يَرجع إلى الله في كل أحواله، ويترك كل ما يشغله عن الله سبحانه وتعالى رغباً وحبا فيما عنده، واستحياء من مقام جلاله، وشوقاً إليه سبحانه جلَّ ذكره.

أما الفرق بين التوَّاب والأوَّاب، فهما بمعنى متقارب جدا، وهو الرجوع إلى الله تعالى، إلا أن الآيب لم يُذكر في القرآن إلا بصيغة المبالغة: {أوَّاب} في عدَّة مواضع من القرآن، {للأوابين}، مما يدلُّ على أن هذا حالهم في أغلب الأوقات فهم يكثرون الرجوع إلى الله تعالى. ولعلَّ الأوبة فيها معنى أخص من حيث اللغة:

قال الراغب في المفردات ص: 97: الأَوْبُ: ضرب من الرجوع، وذلك أنّ الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة، والرجوع يقال فيه وفي غيره، يقال: آب أَوْباً وإِيَاباً ومَآباً.

وقال الراغب أيضاً: الأوَّاب كالتوّاب، وهو الراجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات.

قال الله تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ} [ق:32]، وقد فسَّرها السلف بعدة تفاسير، منها: قال سعيد بن المسيب: هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال الشعبي ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. وقال الضحاك: هو التواب. وقال ابن عباس وعطاء: هو المسبح، من قوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}[سبأ:10]. وقال قتادة: هو المصلي. قال ابن عباس: الحافظ لأمر الله، وعنه أيضا: هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها. والله أعلم.


التعليقات