تصرف الأم في مالها

نص الاستشارة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

فضيلة الشيخ 

لو تكرمت عندي سؤال: 

هل يجب شرعا على الأم العدل في وهب العطايا للأولاد مع العلم أن جميع أولادها متزوجون ولا تعيل أحدا منهم؟ اسمح لي لو تكرمت بشرح المسألة.

أحد الأشخاص المقربين لي والدته موجودة لكن والده متوفى. له أخ واحد ومجموعة أخوات. هذا الشخص وأخوه وأخواته جميعهم متزوجون. الأم لا تعيل أحدا من الأبناء. كل واحد من الأولاد والبنات عنده بيت يمتلكه أو زوجه يمتلكه ما عدا الولد الأصغر هو المقرب لي وهو الذي يسأل. 

هذا الولد الأصغر التزم بخدمة أهله في البيت ومراعاتهم في مرضهم وتلبية احتياجاتهم طوال سنين عديدة، جدته ووالده وهم متوفون الآن، وبقي حاليا منهم خالته وأمه، وذلك سبب له تقييد في الحركة في السفر والدراسة والعمل خارج البلد، وبعد زواجه اضطر للسكن عند أهله لمراعاتهم، وبالتالي هو لم يأخذ فرصته في امتلاك بيت. الأم تمتلك بيتا من طابقين وقررت أن تهدي ابنها الأصغر صاحب السؤال طابقاً يكون ملكه وباسمه كنوع من المكافئة والتعويض عن التضحية التي قام بها. اعترض بعض الأبناء أن هذا الفعل مخالف للدين حيث أنه يجب على الأم إما العدل في العطاء بين جميع الأولاد خلال حياتها أو أن تكف عن إهداء الطابق للابن الأصغر والانتظار لما بعد موت الأم ليتم توزيع التركة بين جميع الأبناء حسب الشرع. 

هل موقف بعض الأبناء المعارض لتصرف الأم مبرر شرعا؟ بعض الأبناء كان موقفه أن الأم تملك البيت ومن حقها التصرف في مالها خلال حياتها بحرية تامة وإعطاء ابنها الأصغر ملكية طابق في البيت هو حرية تصرف الأم في مالها وليس عليها شيء شرعا.

أرجو منك فضيلة الشيخ تبيان رأي الشرع في هذا المسألة وماذا يجب أو لا يجب على الأم أن تتصرفه. 

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

الاجابة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد : فالجوب على السؤال والواقعة يتبين في النقاط الآتية :

1 – إن المرأة البالغة العاقلة في الإسلام ، سواء كانت بنتاً أو زوجة أو أماً لها شخصيتها المالية الكاملة ، ولا تخضع لولاية أو وصاية ، أحد ، لا الأب ، ولا الزوج ، ولا الأخ ، ولا الابن .

2- للمرأة البالغة العاقلة أن تتصرف بمالها في الوسائل والطرق الشرعية بحرية مطلقة ، بالهبة والعطية والبيع والشراء والاستثمار والشركة مع الغير وغير ذلك من التصرفات والعقود الشرعية الصحيحة ، ثم لها أن توصي بحدود الثلث ولغير وارث ، لأي جهة خيرية أو لأشخاص أو لمؤسسات ، وذلك بالتبرع بعد الموت . 

3 - يجوز للأب أوالأم عند توفر العقل أن يعطي لأولاده مايشاء ، وأن يهب لهم ما يشاء ، ومن حيث الأصل والتوجيه النبوي والديني والأدبي والأخلاقي والتربوي أن يسوي بين أولاده الذكور والإناث في العطية والهبة ، لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سووا بين أولادكم في العطية " أو " اعدلوا بين أولادكم في العطية " .

4 – يجوز شرعاً المفاضلة والتفضيل في العطية بين الأولاد لسبب مقبول شرعاً ، كالتفاضل بين الأولاد بالعطية بحسب حاجة أحدهم ، كابن في الجامعة وآخر في الابتدائي أو الإعدادي ، وكمن يجهز ابنه أوابنته للزواج فيعطيه ما يكفيه ، فإذا بلغ الأخر وأراد الزواج ساعده بما يريد ، وكما إذا كان أحدهم مريضاً أو عاجزاً ، أوكان الأب أو الأم أنفق على الأولاد الكبار بالتعليم أو الزواج أو شراء بيت ، فلا مانع ، بل يجب ، أن يخصص الباقين بما يعادل ذلك إما عطية ، وإما أن يضع هذا المقابل في بنك باسم الآخر . 

4 – وفي محل السؤال يجوز للأم أن تعطي ولدها الأخير ما يشتري به بيتاً ، أوتخصه بشقة مما تملك ليتساوى مالياً واجتماعياً مع أخيه وأخواته ، وخاصة أنه يقوم بخدمة الأم وغيرها ، ويرعاهم ، لتكون العطية والهبة جزاء له وتشجيعاً لأمثاله في رعاية الوالدين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه " وهذا يشمل القريب والبعيد، فعطية الأم لولدها كما جاء في السؤال صحيح وجائز شرعاً، وتثاب الأم عليه ، والمال حلال للابن ، ولا غضاضة عليه ، وكما لو استأجرت الأم امرأة لخدمتها فسوف تعطيها أجراً شهريا ، ومع الأيام قد يصل لآلاف ، والابن أولى وأرفق بأمه وصيانتها الكاملة .

5 – وأخيرا فعلى بقية الأولاد أن يتنافسوا في خدمة ورعاية والدتهم ، كالولد الأخير ، وألا تضيق أعينهم على صلة الأم بولدها البار ، والمحتاج ، وعليهم أن يسروا بهذا لكسب أمهم الثواب ، وتأدية ما يقابل خدمتها ، ولأخيهم في امتلاك بيت للسكن ، وألا يتبرعوا بالفتاوى أو يتجرؤوا على القول في الدين بغير علم ، بادعاء معرفة شيء ، وغابت عنهم أشياء ، والله هو الرازق للجميع ، وخزائنه لا تنفد ، والله ولي التوفيق ، والحمد لله رب العالمين .

لويفيل – كنتاكي – 21 / 2 / 1441 هـ - 20 / 10 / 2019 م

محمد الزحيلي


التعليقات