حكم حديث الرجل مع المرأة

نص الاستشارة :

أنا طالب جامعي وأتحدَّث مع الطالبات بكل خُلُق وضمير وأعتبرهنَّ كأخواتي فهل هذا حرام؟

الاجابة

 

قال تعالى: [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا] {الأحزاب:32}.

الكلام من الوسائل التي يتمُّ بها الاتصال بين الناس للتعاون على مَشَاكل الحياة، وليس من منطق الطبيعة أو العقل أن يُمنع كلُّ كلامٍ بين الرجل والنساء، وإنما الممنوع هو استغلاله في الشر عامَّة وفي إثارة الفتنة بين الجنسين بنوع خاص، فالكلام في حدِّ ذاته غير ممنوع، والممنوع ما يعرض له من نحو لين واحتواءٍ على معانٍ غير كريمة، والرجل والمرأة في ذلك سواء، غير أنَّ النهي ورد صريحاً في حق المرأة؛ لأنَّ لها من طبيعة الصوت ما قد يُؤثر على بعض القلوب.

ولذلك نهى الله تعالى نساء النبي عن الخضوع بالقول بكلمات مُثيرة أو نَبْرةٍ فَاتنة حتى لا يطمع في السوء من في قلبه فساد، وأمرهنَّ بالقول المعروف الذي يُبيحه الشرعُ ولا ينكره العرفُ السليم، ولا يحمل ريبةً أو شبهة.

وكثيراً ما سألت الصحابياتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أحكام الدين بمحضر من الصحابة كأسماء بنت يزيد بن السكن وافدة النساء وخطيبتهن، وكان الصحابة يكلمون النساء وهن يكلمنهم، وثبت في صحيح مسلم أنَّ أبا بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما زارا أمَّ أيمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلّق النووي على ذلك بجواز زيارة الرجل للمرأة وسماع كلامها.

وما زال نساء السلف أيضاً يَروين الأحاديث ويعلمن الناس ويفتين في الدين، وكل ذلك بدون لين أو إغراء أو خلوة أو نظر محرم أو أي عامل من عوامل الفتنة.

والإسلام حريص على تنظيم العلاقة بين الجنسين للمصلحة، ولذلك كُره إلقاء التحية على المرأة الأجنبيَّة، مع استحباب إفشاء السلام ذلك حتى لا تستغلَّ استغلالاً سيئاً، روى ابن الجوزي عن عطاء الخرساني مرفوعاً: (ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام) وقيَّده جمهور العلماء بالسلام الذي يجرُّ إلى فتنة، أما إذا لم تكن فتنة كالسلام على عدد كبير منهنَّ فهو جائز مُستدلين بحديث أحمد وابن ماجه وابن داود والترمذي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ في المسجد على جماعةٍ من النساء قعود فأشار بيده إليهنَّ بالتسليم، وبما رواه البخاري من مرور الصحابة بعد الانصراف من الجمعة على عجوز في طريقهم فيسلمون عليها، وتقدم لهم طعاماً من أصول السلق والشعير.

هذا، وقد ذكرتُ أقوالاً لبعض العلماء تحرِّم سماعَ صوت المرأة أو تبيحها، وللجمع بينهما يحمل التحريم على ما يجرُّ إلى الفساد، والإباحة على ما يخلو منه.

على أنَّ الكلام العادي إذا أبيحَ بين الجنسين فمن المستحسن أن يكون في أضيق الحدود ولأغراض شريفة مع المحافظة على الآداب الأخرى، مُراعين أنَّ من اتقى الشبهات كان أورع لدينه، ومن حام حول الحمى يوشكُ أن يقع فيه.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

المصدر: مجلة منبر الإسلام، السنة الأربعون، شوال 1402 - العدد 10


التعليقات