لماذا تاب الله على آدم ولم يتب على إبليس؟

نص الاستشارة :

لماذا تاب الله على آدم عليه السلام ولم يتب على إبليس على الرغم من أن كلاً منهما قد عصى ربه؟

الاجابة

توبة الإنسان إلى الله تعالى معناها الرجوع إليه من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، وتوبة الله تعالى على الإنسان معناها: قبول رجوعه إليه والتجاوز عمَّا تاب منه بمعنى عدم معاقبته عليه.

والرجوع لا يكون إلا بترك ما تاب الإنسان منه، ثم الندم على فعله والعزم الأكيد على عدم العود إليه، ولا يتم الترك إلا بإرجاع الحقوق المغصوبة إلى أصحابه – أو طلب تنازلهم عنها – ولا تقبل التوبة إلا إذا وقعت قبل الغرغرة ساعة الاحتضار، وقبل أن تطلع الشمس من مغرب يوم القيامة، فإن لم يتب إلا بعد ذلك لم يتب الله عليه إن كان كافراً، وأما إن كان عاصياً بغير الكفر فأمره مُفوَّض إلى ربه إن شاء عاقبه وإن شاء عذَّبه، قال تعالى: [إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) ]. {النساء}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغِر) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم.

وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ] {النساء:48}. وقال سبحانه: [وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {البقرة:217}.

بعد هذا نقول: إنَّ مخالفة إبليس لله تعالى كانت كفراً، لأنَّه رفض أمر الله وتكبَّر، وأصرَّ على العناد ولم يتبْ، بل لم يفكر في التوبة، فقد طلب من الله تعالى أن يطيل عمره إلى يوم القيامة حتى يثأر من آدم وذريته ويحارب الله بعنف حتى يصرف الناس عن شكره، لهذا طرده الله تعالى من رحمته طرداً أبدياً قال تعالى: [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ] {البقرة:34} وقال سبحانه: [قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ] {الأعراف:13}. وقال جل وعلا: [قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ(77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(78)]. {ص}. ومن هنا نرى أن معصية إبليس كانت كفراً، وأصرَّ عليه ولم يتبْ بل لم يفكر في التوبة، فكان الجزاء طرده من رحمة الله تعالى إلى الأبد.

أما ما وقع من سيدنا آدم عليه السلام فليس كفراً لأنه لم يرفض التكليف بعدم قربان الشجرة، بل قبله ودخل الجنة وتمتَّع بنعيمها ولم يقرب الشجرة أولاً، ولم يكن عنده عزم على مخالفة أمر الله سبحانه، وشاءت إرادة الله تعالى أن يكون آدمُ أولَ ضحيَّة لإبليس في تنفيذ مخططه الذي أقسم عليه، فنسي آدم عليه السلام عهد الله تعالى له بعدم طاعة الشيطان، وصدق إبليس من حلفه بالله أن من الخير له أن يأكل من الشجرة، وبحسن الظن أكل هو وحواء منها، وعندما شعرا بآثار المخالفة وبدت لهما سوآتهما تنبَّها إلى مخطَّط الشيطان.

وبعد عتاب من الله تعالى لهما وتذكيرهما بعهده ألهمهما كلماتٍ قالاها مُقرِّين فيها بارتكاب ما يضرُّ طالبين عفوَ الله ومغفرته، فقبل منهما التوبة.

قال تعالى: [فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى] {طه:117} وقال سبحانه: [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا] {طه:115}. أي: لم يعلم الله تعالى لهما عزماً على المعصية حين أخذ العهد عليهما، لأنه كان غير موجود، أو لم يعلم عزماً أي قوة على المقاومة لإغراء الشيطان وتصديقه في حلفه بالله إنه ناصح لهما، وقال تعالى: [فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ] {الأعراف:22}.

وقال سبحانه: [فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] {البقرة:37} وهذه الكلمات هي: [قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] {الأعراف:23}.

ومن هذا نعرف أنَّ مخالفةَ آدمَ عليه السلام كانت نسياناً ولم تكن كفراً، والنسيان وإن كان الله تعالى لا يؤاخذ على آثاره رحمةً بعباده، إلا أنَّ الله سبحانه سمَّى ما وقع من آدم معصية لأنه على صورتها، ولأن مقام آدم ليس كمقام بقية الناس.

وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم.

المصدر: مجلة منبر الإسلام، السنة الأربعون، شوال 1402 - العدد 10


التعليقات