قولهم صححه الألباني

نص الاستشارة :

هل يكفي أن نقول ":الحديث المذكور قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صححه الألباني"؟!. 

الاجابة

ـ كان في مصر رجل له اشتغال بالدراية الحديثية في القرن الماضي، هو الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله، المتوفى عام 1377، الموافق 1958، فقد اشتغل بالجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، لكن على منهج تساهلي بعيد عن معرفة دقائق هذا العلم. 

تعلم الشيخ الألباني علم الدراية الحديثية من إدمان المطالعة في كتب وتحقيقات الشيخ أحمد محمد شاكر، فورث منه المذهب التساهلي، لكن له وقفات أجاد فيها مما لا يتنبه شيخه هذا لمثلها غالبا. 

ـ من عيوب المنهج التساهلي أنه يوقع صاحبه في تصحيح كثير من الأحاديث الضعيفة والمنكرة، وأحيانا الموضوعة. 

ـ هل حكـْم الشيخ الألباني بتصحيح حديث أو تضعيفه هو أدق مما قاله العلماء السابقون؟: 

قد يكون في بعض الأحيان نعم ولكنه في كثير منها لا، والواجب على العالم أن يعيد البحث فقد يظهر له خلاف ما ظهر للشيخ. 

أما الذي ليس له باع في الدراية الحديثية فليقلدْ من يغلب على ظنه أنه الأعلم والأتقى من أهل العلم. 

ـ لا يغني تصحيح الشيخ عن معرفة قول غيره من أهل العلم، ولا ينبغي أن يُقالَ "صححه الألباني" وتـُترك كلمة "رواه البخاري" أو "رواه مسلم" مثلا. 

ـ الشيخ رحمه الله له بعض الأوهام والأخطاء في كتبه لا تـُحتمل، فالاعتماد على ما قاله بإطلاق فيه نظر: 

ـ فمنها أنه صحح حديث "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم" وقال عن إسناده الذي رواه به الخطيب البغدادي في كتابه موضح أوهام الجمع والتفريق: "رجاله ثقات غير علي بن حمزة العلوي، ولم أجد له ترجمة"!!. 

قلت في كشف المعلول: "في هذا السند أبو المفضل الشيباني محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول بن همام بن المطلب: متهم بالكذب والوضع، اتهمه الدارقطني وحمزة بن محمد الدقاق وأبو القاسم الأزهري والخطيب البغدادي، توفي سنة 387، انظر: تاريخ بغداد". [انظر: كشف المعلول مما سمي بسلسلة الأحاديث الصحيحة لكاتبه صلاح الدين الإدلبي، الحديث 18]. 

وانظر ترجمة أبي المفضل الشيباني في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وتاريخ دمشق لابن عساكر وميزان الاعتدال للذهبي ولسان الميزان لابن حجر، وقد قال فيه الخطيب البغدادي: "كان يروي غرائب الحديث وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته، وكان بعدُ يضع الأحاديث للرافضة". وقال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: "كان يضع الحديث". وقال أبو القاسم الأزهري شيخ الخطيب البغدادي: "كان أبو المفضل دجالا كذابا". 

ـ ومنها أنه صحح حديث "من أخذ على تعليم القرآن قوسا قلده الله قوسا من نار يوم القيامة"!!، وقد حكم الإمامان الحافظان يحيى بن سعيد القطان وابن عبد البر بأنه منكر، وقال أبو عبد الله الحاكم عنه: "يُقال إنه حديث موضوع". [انظر: كشف المعلول مما سمي بسلسلة الأحاديث الصحيحة، الحديث 15]. 

ـ ومنها أنه صحح الحديث الوارد في الجمع بين الصلاتين جمعَ تقديم!! وقد أعله سبعة من الأئمة، وهم البخاري وأبو حاتم الرازي وأبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي والخطيب البغدادي. 

قال أبو حاتم الرازي عن الراوي الذي تفرد برواية هذا الحديث: "والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث". وقال أبو داود: "هذا حديث منكر". وقال أبو عبد الله الحاكم في معرفة علوم الحديث: "وهو شاذ الإسناد والمتن". ثم قال عنه: "موضوع". وقال الخطيب البغدادي: "هو منكر جدا. [انظر: كشف المعلول مما سمي بسلسلة الأحاديث الصحيحة، الحديث 9، وانظر الطبعة الجديدة منه مع وقفات مع بعض الباحثين: وقفات مع الباحث الثالث، الوقفة 18]. 

ـ ومنها أنه صحح حديث "إن يعشْ هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" بهذا اللفظ!!. 

وهو بهذا اللفظ من باب الرواية بالمعنى، لكن مما وهِم فيه راويه وتغير فيه المعنى، فلا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، واللفظ الثابت هو ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: "إن يعشْ هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم". 

والله الموفق، لا رب سواه، ولا إله إلا هو. 

تاريخ كتابته 14/ 8/ 2015 


التعليقات