( الإرهاب الإسلامي ) كيف ولماذا ؟

 

ذم الإرهاب :

الإرهاب كلمة قديمة، لها دلالاتها ومفاهيمها، وفي المقابل لم يكن وقعها كوقعها هذه الأيام، لا من الناحية الشرعية، ولا من الجوانب السياسية، ولا من حيث الانسحابات  الأمنية، ذلك أنها في المصطلح العام اليوم، كلمة مذمومة، خطرة، تصنع في نفس متلقيها ، معنى رهابياً، وتمضي به إلى دهاليز الشر والسوء، شكل إيقاعها على السامع مؤلم، مفزع، جارح، يشتغل خارج قوانين إنسانية الإنسان، ويعمل في دوائر الخوف المر، ودواوين القسوة، ومربعات الألم، كلمة الإرهاب، لها ألوان مرعبة، وأطياف مخيفة، وأشكال منكرة، تعكس على الروح معنى الظلام ، وتثير في الصدر لواعج الكره، وعوامل السوء ، وتنطوي معانيها على جملة من معاني النفور، الذي تأباه الفطر السليمة، ويرفضه أصحاب العقول المستقيمة، وتبرز هذه المعاني في ذهنية الإنسان الغربي، ربما أكثر منها في ذهنية غيره ، والخلاصة : فإن تهمة الإرهاب، يتبرأ منها الأفراد والجماعات والأحزاب والدول والأديان ، لما ذكرنا من مدلولها السيء .

الإسلام لا يعرف الإرهاب :

والإسلام هذا الدين الرباني، المنزل من الله، بوحي منه إلى أكرم خلق الله، سيدنا محمد بن عبد الله، رسول الله ونبيه – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - إلى الناس كافة، لا يرضى بالإرهاب بمعناه الاصطلاحي المعروف المذكور في معاهدة منظمة التعاون الإسلامي، لعام 1999م . فضلاً عن أن ينسب الإرهاب له .

رغم أن المعاهدة - آنفة الذكر- المتكاملة ذكرت مادة تنص على أنه : (لا تعد جريمة إرهابية حالات كفاح الشعوب بما فيها الكفاح المسلح ضد الاحتلال والعدوان الأجنبيان والاستعمار والسيطرة الأجنبية من أجل التحرر أو تقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي.) .

ذلك أن هذا الدين إنما جاء رحمة للناس، وجاءت قيمه بكل تفاصيل مصلحة الإنسان، لجلب النفع له، ودفع الضر عنه، وكلها عدل ومصلحة ، والعدل جماع الحسنات، مع نهي عن الظلم الذي هو جماع السيئات . ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).

وتعاليم حقوق الإنسان رسخت في نصوص وحي الله تعالى، مؤكدة على هذا المفهوم النبيل، الذي به تنعم البشرية ، في ظلال كتاب الله تعالى، وعلى ضوء سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم - . ( ولقد كرمنا بني آدم ) – ليكون العدل بين البشر، أساساً رئيساً في السياسة الشرعية، دون النظر إلى لونه أو بلده أو عرقه . ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .

( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )

وجاء بالحرية المسؤولة التي تعمل على بناء الإنسان المنتج، الذي يصنع الحياة على قيم الرشد، وصناعة المجد، وتعاليم ديننا تندد بكل ألوان البطش والكبر، وتكميم الأفواه، وطغيان البشر ، والقهر والاستبداد، لتكون كلمة أمير المؤمنين، سيدنا عمر – رضي الله عنه – تتردد في جنبات الكون ، صادعة بهذا المبدأ العظيم، والقانون الراشد . ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ).

فنسبة الإرهاب للإسلام مرفوضة بكل المقاييس .

الحرص على نسبة الإرهاب للإسلام :

وهناك جهات تحرص على نسبة الإرهاب للإسلام، وذلك إمعاناً منها في عداوتها للإسلام، من خلال وصمه بهذه الصفة، من هنا كتب من كتب عن القرآن الكريم، وهو كتاب الله جل وعلا وكلامه، المنزل من الله تعالى على قلب نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – على أنه كتاب إرهابي – حاشا وكلا – ثم يعرجون على نبينا ورسولنا، وينعتوه بنفس النعت، وما الرسوم المسيئة عنا ببعيد، خدمة لهذا الجانب الذي يحاولون تأكيده .

والإسلاموفوبيا، ظاهرة معروفة اليوم في الغرب، كلها نتيجة الهجمة الشرسة التي تقوم على التدليس، ولي أعناق النصوص الشرعية، وتحريف الوقائع التاريخية، طعناً في هذا الدين وتشويهاً لمعانيه الربانية النبيلة .

وكانوا في السابق يتوارون وراء بعض الجمل المعماة، والألفاظ الخداعة، ومحاولة حصر الإرهاب بجماعات محددة، ربما بعض المسلمين يتوافقون معهم بوصفها بالغلو ( التطرف ) ، ويصدر بعض العلماء فتاوى بقبح منهجها ، نظراً لما ألحقته من ضرر بالأمة، خصوصاً في مجال التكفير، الذي ترتب عليه كثير من إراقة الدماء .

واليوم انتقل ( الإسلاموفوبيين ) إلى وصف بعض الجماعات الإسلامية بالإرهاب، وهي الموصوفة بوسطيتها وتوازنها واعتدالها، بل تنبذ الغلو ( التطرف ) وتحاربه ، وصاروا يغطون ذلك بوصف الغلو الفكري، و ( الراديكالية الإسلامية ) . 

ماذا يفعل الدعاة للتصدي لهذه الهجمة :

أولاً نقول : ليس كل الغرب، يحمل نفس هذه الروحية الحاقدة على الإسلام، بل هناك شرائح كثير من البشر في تلك الديار، يهمها معرفة الحقيقة، ويبحثون عن المفهوم السليم عن الإسلام، وقيمه وتعاليمه وتاريخه ، لذا تجد نسبة الذين يدخلون في دين الله تعالى، نسبة كبيرة .

وهذا بلا شك يعطينا فرصة ثمينة ، لشرح معاني القرآن، والتعريف بسنة النبي العدنان – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) . ويتأكد هذا المنهج، مع هذه الدعاية غير المقصودة للإسلام، فمن حيث لا يدري أعداؤه، صاروا يحثون الناس للتعرف إلى الإسلام، بل بلغنا أن كثيراً من الناس صاروا يذهبون إلى المساجد، حتى يسمعوا من علماء الإسلام معنى الإسلام ، فهي فرصة للدعوة، وموسم ثمين للتعريف بهذا الدين العظيم، الذي يحتاج أن يعرض ويشرح ويبين للناس، وصدق من قال : يا له من دين، يحتاج إلى من يحمله بصدق، ويبينه للناس بوعي، ويشرح تعاليمه بفهم سليم، ذلك أن أعداء الإسلام صنعوا لنا غلاة، أو استغلوا بعض الغلاة، لتشويه معالم هذا الدين، وتنفير الناس منه، وعلى كل حال – رغم أثر القدوة حسنة كانت أم سيئة – يبقى الإسلام كتاباً وسنة، حجة على الناس، والبشر لا يكونون حجة عليه .

كما أن فتح قنوات الحوار مع منظمات المجتمع المدني، ومع الأحزاب، والبرلمانيين، والمراكز البحثية، والباحثين وأساتذة الجامعات، والمفكرين والفلاسفة، وصناع القرار والمؤثرين فيه، مع تواصل مع المنابر الإعلامية، للبيان والتوضيح، يعتبر جانباً مهماً بهذا الخصوص، إذ أن أصل الدعوة إلى الله تعالى ، والتواصل مع الناس، قائمة على قيمة الحوار، والتداول السلمي للأفكار، من خلال الحجج والبراهين، وحسن العرض، وجمال البيان، ففي مثل هذه الوسائل، تتغير كثير من الأمور . ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) ( لا إكراه في الدين ) .

ولا ننسى حاجتنا إلى مطبوعات حديثة، تبين معاني الإسلام،  وتشرح مواقف الإسلاميين، وتزيل الشبهات، وتدفع المفتريات، تنفي عنه غلو الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ، كل ذلك بأسلوب سهل، وطريقة مبسطة . 

ونؤكد على حاجتنا إلى خطاب متوازن، يتمسك بالثوابت، وينفتح على قوانين السعة، مراعياً لغة القوم وأساليب الحوار معهم، وطرق التعامل مع الألفاظ التي تؤدي المعنى المراد، وكذا دلالات الجمل، وتحرير المصطلحات .

ونحب أن نؤكد على أمر ربما تكون له الصدارة في هذا الشأن ، ألا وهو وحدة الصف واجتماع الكلمة، والبعد عن الفرقة والنزاع، والأصل أن خلاف الرأي لا يفسد للود قضية، كما أن القدوة الحسنة، والمسار الصحيح، يجعل المسلم نبراساً على طريق الدعوة، والعكس بالعكس يذكر، فإياك أن تكون عامل فرقة بين المسلمين، أو سبباً في فتنة .

والحذر كل الحذر، من ردود الأفعال الغاضبة، غير المنضبطة، التي تدخلنا في مربعات السوء، ودوائر الشر، ورب حماقة، أدت إلى كارثة، وأحياناً تصرف غير سليم، ينتج عنه ما يعقد المشهد، ويدخل الناس في سراديب التيه، والأصل أنا نريد غير هذا ، ويبقى الصبر منهج المسلم في مواجهة، مثل هذه التحديات، وستكون لهذا ثماره الطيبة . ( وبشر الصابرين ) . فالعنف في عالم الدعوة، لا يورث إلا البغضاء، والنفرة . جاء في الحديث الصحيح : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وإن الله يعطي على الرفق، ما لا يعطي على العنف ).

مطب لا بد من الانتباه له :

وعندما يحرج بعض المخالفين، من الذين يتحدثون عن الإرهاب الإسلامي !!!!!! يقولون : نحن لا نعني الإسلام، فالإسلام فوق عيني ورأسي، ولكن الإسلاميين هم المشكلة، الجماعات الإسلامية هي الكارثة، الحركة الفلانية، هي المصيبة، التيار العلاني هو الطامة، ويضربون لك الأمثلة بأشخاص وأفكار ، وحركات وجماعات وأحزاب، وهنا لا بد من ملاحظتين :

الأولى – هي أن هؤلاء الناس، عندما تنظر في كلامهم وتدقق فيه، تجدهم أنهم إنما يعنون الإسلام وتعاليمه في الغالب، إلا ما استثنينا من وجود بعض الغلاة الذي يستغلون من أجل التبرير للمواقف ، إذن يقولون الجماعة الفلانية، أو الحركة العلانية، وفي الحقيقة إنما يجعلون هذا ستاراً للنيل من هذه الدعوة .

الثانية – كما نقول لا بد من شرح تعاليم الإسلام، وشرح معانيه للناس، ضروري كذلك، أن تقوم الجماعات التي تتمثل الإسلام ، وتعتبره أساس بنائها، ومنطلق فكرها، ومرجع ( ايدلوجيتها ) ببيان مواقفها، وتوضيح فكرها، وشرح اجتهاداتها، وتفسير مواقفها، ودفع الشبهات التي تلصق بها، لأن الإسلام والمسلمين بينهما رباط – في نهاية المطاف – لا فكاك منه، وأولاً وأخير، فإن قاعدة التأسيس الحق تنص على أن : كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه، إلا صاحب هذا القبر – صلى الله عليه وسلم - ، فلكل سيف نبوة، ولكل جواد كبوة، ولكل عالم زلة، وعلينا أن نواجه هذا بشجاعة، وحسن تقدير .

نحن في مرحلة دقيقة، وظرف حرج، نحتاج فيه إلى ترجمة واجب الوقت، وفرض الساعة، برسم ملامح خريطة طريق، تؤمن لنا دروب السير الراشد، على قيم الدين الحنيف .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين