خَواطر حَول أزمة الخُلق المسلم المعاصر -4-

 

 

سبق الحديث عن الفرق بين سلوك من لا يملك عقلية علمية، وسلوك من يملك عقلية علمية، وعن بعض الأمثلة لأثر الغيب الخرافي المنحرف عن الغيب الإلهي العلمي.

ونتابع الحديث اليوم عن خطورة الانحراف الخلقي الفكري

 

خطورة الانحراف الخلقي الفكري:

إذا قارنَّا بين الانحراف الخلقي الفكري (أي الانحراف عن الهوى ولو مع حسن النية ) وبين الوقوع في معصية عابرة (أي الضعف عن تطبيق الهدى) نجد أن نهج الرسول صلى الله عليه وسلم التشديد في الأمر الأول والترفق في الأمر الثاني.

ومن  أمثلة التشديد في الأمر الأول:

أ ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (أفتَّان أنت يا معاذ)!! حين أطال على الناس في صلاة العشاء، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها الناس إنَّ منكم منفِّرين فأيُّكم أمَّ بالناس فليوجز)... قال الراوي: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضباً  في موعظة منه يومئذ (رواها الشيخان) وهذا يعني ضرورة الرفق بالناس.

 ب ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك سنتي فليس مني) رواه الشيخان، يوم جابه الثلاثة الذين غالوا في العبادة، وهذا يعني ضرورة الاعتدال وممارسة الحياة الطيبة. 

ج ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله)؟!! قلت: كان متعوِّذاً فما زال يكررها حتى تمنَّيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم (رواه الشيخان) وزاد مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (أفلا شققت عن قلبه)!!وهذا يعني ضرورة التحرِّي والتبيُّن خاصة في الدماء، وإجراء أحكام الناس على الظاهر.

د ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً )رواه الشيخان،  انظر قصة الأمير الذي أمر صاحبيه أن يرميا أنفسهما في النار، وهذا يعني ضرورة الوعي واليقظة، وأن الطاعة في المعروف.

ومن أمثلة الرفق في الأمر الثاني:

أ ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (أليس قد صلَّيت معنا) انظر قصَّة الرجل الذي قارف معصية دون الزنا، وجاء مثقلاً بوطأة الشعور بالذنب (رواه الشيخان).

ب ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (رأيتُ شاباً وشابة فخشيت الشيطان عليهما)انظر قصة إبعاد نظر الفضل بن العباس، وكان ينظر إلى امرأة جميلة في موسم الحج. (القصة رواها  الشيخان وجملة: رأيت شاباً وشابة، من رواية حسنة صحيحة عند الترمذي).

ج ـ وأخيراً قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن زنى وإن سرق... وإن زنى و إن سرق على رغم أنف أبي ذر) انظر الحديث: (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات عن ذلك إلا دخل الجنة) رواه الشيخان.

إن الانحراف الخلقي الفكري أمر خطير لأنه قد يثمر نهجاً عاماً يطبع حياة الفرد أو حياة الجماعة، ولأنه عادة لا يلفت الانتباه حيث يتلبَّس بمسحة دينية نتيجة النية الحسنة، بينما انحراف السلوك الشخصي أقل خطراً لأنَّ كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولأنَّ الخطايا المعروفة تعلن عن نفسها فينكرها الفرد ويتوب منها، وإن لم ينكرها هو أنكرها الناس. 

ينظر رابط الحلقة الثالثة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين