خَواطر حَول أزمة الخُلق المسلم المعاصر -3-

 

 

سبق الحديث عن الحاسة الخلقية وعن أخلاق الفكر والأخلاق المركبة في الحلقتين السابقتين ونتابع في هذه الحلقة الحديث عن الاتجاهات الفكرية وأثرها في الأخلاق

الاتجاهات الفكرية وأثرها في الأخلاق :

أولاً: أثر العقلية العلمية:

هناك عدة مظاهر للسلوك (أو الخلق) البدائي، ونقصد هنا سلوك من لا يملك عقلية علميّة ولو حمل أعلى الشهادات، ومن هذه المظاهر:

أ ـ الحذر المفرط.

ب ـ التردُّد بين الثقة المفرطة بالنفس وبين الشعور بالعجز المقعد.

ج ـ رفض الشعور بالعجز رغم صدمة الخيبة  وإلقاء المسؤولية على الغير.

د ـ التردد بين الثقة المفرطة بالغير وبين سرعة سحب الثقة به، بل الحقد عليه أيضاً.

فإذا تأملنا وجدنا كل هذه الصور السلبية ناتجة من عدم ـ أو ضعف ـ الوعي بقوانين المادة وقوانين الاجتماع، والجهل بأنَّ هذه القوانين وتلك تحكم المادة والإنسان على السواء.

أما السلوك المنهجي السوي، ونقصد هنا سلوك من يملك عقلية علمية ولو كان بدوياً أو فلاحاً يعيش في أعماق الريف، فيتَّسم بمظاهر تباين تلك تمام المباينة، ذلك  أن الفرد في هذه الحالة يدرك أنَّ قضايا المجتمع تخضع لقوانين كما تخضع المادة، فمثلاً في قضية الإصلاح وتغيير الواقع الفاسد، يعلم أن هناك قانوناً أو مجموعة قوانين تحكم تغيير الواقع إلى ما هو أفضل، والآية الكريمة:[ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الرعد:11}. تشير إلى قانون أساسي في هذه القضية، ومن هنا نجد أن العقلية العلمية توفِّر لصاحبها مميزات خلقية طيبة مثل الثقة المعتدلة بالنفس وبالغير، حيث يعرف حقيقة قدراته وقدرات الغير في إطار تلك القوانين الاجتماعية، ومثل الصدق مع النفس ومع الغير، حيث الفرد هنا لا يفاجأ بالعجز ـ كما في حال السلوك البدائي ـ إنما هو يدرك ضعفه ويسعى بجد لاستكمال ما ينقصه دونما حاجة إلى إلقاء المسؤولية على الغير، ثم إنّه بمنأى عن الحذر المفرط فإدراكه أنَّ لله في خلقه سنناً (قوانين) تجعله يتعامل مع معلوم أو مع قابل لأن يكون معلوماً، فلا داعي إذن للحذر المفرط، إنما إحسان التقدير في حال الأمر المعلوم، ومزيد من النظر والبحث في حال الأمر المجهول.

ثانياً: أثر الغيب الخرافي:

والغيب الخرافي هو كل تصور للغيب منحرف عن الغيب الإلهي العلمي، الإلهي: ما كان مصدره الله جلَّ وعلا، والعلمي: ما كان قطعي الورود قطعي الدلالة.

وهذه بعض الأمثلة لأثر الغيب الخرافي:

أ ـ إن تصور القدرة الإلهية والإرادة الإلهية تصوراً منحرفاً يشلُّ قدرة الإنسان على تغيير نفسه رغم صريح قوله تعالى::[ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الرعد:11}.

إن نزع سلطان التغيير من يد الإنسان وتصور أن هذا السلطان لله وحده، افتئاتٌ على الله حيث هو سبحانه الذي منح هذا السلطان للإنسان، ولكنَّ الغيبيين الخرافيين يحسبون أنَّ عملهم ذلك من كمال الإيمان بالله وقدرة الله، والحقيقة أنهم يسيئون الظنَّ بالله ولا يحسنون. وهل ننتظر من أصحاب هذا التصور الخرافي إلا أن يصابوا بالعجز  والكسل والجبن و التواكل.

إن هذه الصفات من خصائص المؤمنين الخرافيين، أما المؤمنون العلميون ـ حيث يدركون العلاقة بين قدرة الله وقدرة الإنسان. فهم ذوو مضاء وعزم وإقدام.

ب ـ إنَّ تصور اليوم الآخر ـ أي معنى الحساب ـ في حالة اكتمال رسوخه وعلى الوجه الشرعي الصحيح يؤدِّي إلى الشجاعة والاستقامة والتعمير الجادّ للحياة، وإذا رسخ على وجه غير صحيح فيمكن إن يؤدِّي إلى اعتزال الدنيا والتفرغ للعبادة.

ج ـ فكرة الرزق واحد، ومقدَّر منذ الأزل في حال رسوخها على وجه صحيح تؤدِّي إلى الإجمال في الطلب وعدم الاسفاف، هذا من ناحية كما تؤدي إلى البذل بسخاء في وجوه الخير، وإذا رسخت على وجه غير صحيح تؤدي إلى الكسل والتواكل.

ينظر رابطة الحلقة الثانية هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين