وقفات مع الاستفزازات الأوروبية لتركيا (1-2)

 

تصاعدت في الآونة الأخيرة الاستفزازات الأوروبية لتركيا بشكل غير معهود ولا مألوف، حتى وصل الأمر إلى منع الوزير التركي من الهبوط في هولندا، مما شكّل صدمة للقيادة التركية وحالة من الغضب الرسمي والشعبي. 

في منحى آخر وأكثر خطورة، جاء من يصبّ الزيت على النار، حيث أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارا تسمح بموجبه للمؤسسات والشركات التي تتعامل مع الجمهور بمنع الحجاب! وقد جاء هذا القرار على أثر تظلّم قدّمته امرأة مسلمة في بلجيكا تم طردها من عملها بسبب حجابها.

هذا المنحى الخطير أعطى للأزمة بُعدا آخر ذا طبيعة دينيّة ثقافية، مما ينذر بتفجير صراع حضارات أو ديانات، خاصّة بعد صعود التيارات الشعبوية في الغرب المتزامنة مع مجيء الرئيس ترمب.

تركيا من طرفها ترى أن كلّ هذا موجّه لها، وأن أوروبا تعيش حالة من عدم الاتزان بسبب الحالة التنموية الكبيرة التي تشهدها تركيا مقارنة بحالة من الشيخوخة والركود ومؤشّرات التفكك التي تعاني منها أوروبا، إضافة إلى أن الصعود التركي جاء تحت لافتة إسلامية مما يشكّل قلقا مضاعفا لأوروبا.

إننا إذاً أمام أزمة معقّدة ومتشعبة، وقد تنذر بحرب باردة طويلة الأمد بين الطرفين، مما ستكون له انعكاسات خطيرة على مختلف المستويات، خاصة أن هناك جمرا تحت الرماد مخزونا في ذاكرة بعض الأوروبيين من أيام الحروب الصليبية والفتوحات العثمانية وما قبلها وما بعدها.

بعض التصريحات التي صدرت عن جهات دينية وشعبية في عالمنا العربي والإسلامي لم تكن بمستوى الوعي المطلوب في التعامل مع هذه الأزمة، حيث جنحت إلى إضفاء الصبغة الدينية بل وتقديم أردوغان وكأنه (أمير المؤمنين)! وكأنها تستعجل في حفر الخنادق ورفع الرايات ودقّ طبول الحرب.

في الطرف الأوروبي هناك من يفعل الفعل نفسه وزيادة، ويدفع باتجاه المواجهة، وقد استمعت لبعض القنوات الأوروبية وهي تلتقط بعض تصريحاتنا (الإسلاميّة) وفتاوانا (السياسيّة) لتبني عليها أوهاما بعيدة كل البعد عن حقيقة المشروع التركي، وعن القيم السياسية التي قام عليها حزب العدالة والتنمية.

إن بعض القيادات الأوروبية متخوفة بلا شك من التحوّل المحتمل في تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، حيث سيعطي هذا التحول لرجل تركيا القوي والطموح «رجب طيب أردوغان» مزيدا من الاستقرار والنفوذ، مما قد يمهّد - من وجهة نظرهم - إلى ظهور «سلطان عثماني جديد».

إن هذه المخاوف مع ما يعززها - مع الأسف - في الخطاب العربي الإسلامي تشكل رافعة قويّة للتيارات الشعبوية والعنصرية المتطرفة في أوروبا، والغرب عموما.

إن الغرب ليس حالة واحدة، بل إن الثقافة السائدة هناك هي بخلاف ذلك، وإنك لتجد بسهولة بعض الشعوب الأوروبية أقرب إلى الإلحاد أو اللادين، ولم يعد ذلك التاريخ لدى كثير منهم شأنا ذا قيمة، بل هناك بعض الكنائس بيعت للمسلمين ليحولوها إلى مساجد - مع تحفّظي الشديد على هذه الظاهرة لما لها من آثار سلبية قد لا تكون ظاهرة في الوقت الحاضر-، ولكن هناك الأحزاب القومية المتطرفة التي تتغذّى وتتقوّى بخطاباتنا «الإسلامية» التعبوية، وهي تستخدمه بالفعل لاستقطاب الجمهور من خلال إثارة مخاوفه ثم دفعه للاحتماء بهذه الأحزاب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين