الرماديّون في سوريا.. الصمت القاتل

سمعنا منذ بداية الثورة بعض الناس في سوريا يردّدون جملة “أنا لا مع هدول ولا مع هدول”، ويتبعونها بذكر أشياء توحي للمستمع بأنهم أغبياء ومن الصعب إقناعهم لكسبهم لأحد الطرفين، فيقولون مثلاً لتصوير حالة الأمان التي كنا نعيشها محمّلين الثوار سبب انعدامها، ومن هذه الصور أن “النساء كنّ يخرجن بآخر الليل ولا أحد يتعرض لهن”،  كما ويذكرون سعر المازوت والبنزين والخبز وغيرها من السلع والخدمات التي يقدّمها النظام للمواطن، ويصرّون على انتشار الجرائم والسرقات في زمن الثورة وكأن سوريا قبلها كانت الدولة الفاضلة وأن الثوار هم من يقتلون ويقصفون ويدمرون البيوت فوق رؤوس ساكنيها.

 

ناهيك أنهم أشخاص يرغبون في التغيير ولكنهم يفضلون الرضوخ للنظام لأسباب متعددة، أولها الخوف من العنف الذي يمارسه النظام ضدّ من يخرج عن سلطته من خلال الاعتقال التعذيب في السجون، فالرماديون يدركون تماما أن قوات النظام هي التي تمارس التلذّذ بقتل وتجويع وتشريد مئات الآلاف من المدنيين ممن لا ذنب لهم.

 

الإجرام صفة رافقت النظام منذ استيلائه على السلطة ومن منّا ينسى مجزرة الثمانينات في حماة وحي المشارقة وجسر الشغور، ولأن قلوبهم ممتلئة بالحقد والشر وبسبب الصمت العالمي والرضوخ   إزاء ما يحدث في المعتقلات لأنه يوجد رادع لهم استمَروا وتفنّنوا بأساليب التعذيب فأصبحت قوات الأسد كمخلوقاتٍ مفترسة تعيث فساداً في سوريا.

 

وهناك نوع آخر من الرماديين من أصحاب المعامل والتجار والمثقفين أولئك يخشون أن تتعطل مصالحهم ويفقدوا أموالهم مدركين تماماً ما يمارسه النظام من استيلاء على ممتلكاتهم كما حدث مع الكثيرين منهم.

 

وآخرون آثروا البقاء في مناطق المعارضة خوفاً من زجّ شبابهم في خدمة العلم أو اعتقالهم، وما يثير الغضب أنهم مستمرون في قول “كنا عايشين” وهم على الأغلب صامتون أمام المجازر والاعتقالات التي يرتكبها النظام وحلفاؤه بشكل يومي بحق الشعب السوري، إلى أولئك الصامتين أقول لهم صمتكم يقتلنا:

 

أولم تشعروا بالطائفية منذ السبعينات ضمن دوائر الدولة واضطهاد الضباط العلويين وأبنائهم لشبابنا في الجامعات ومؤسسات الدولة وفي أماكن خدمتهم للعلم فأينما تجولت في سوريا الأسد ترى الفساد فلم الصمت؟!

 

إلى جماعة رغيف الخبز :

 

ضيّق النظام على المعارضة والمحاصرين في لقمة عيشهم بالأخص خلال السنوات الست الماضية حتى يشعروا بما كانوا يعيشوا به من نعم على مبدأ “جَوّعْ تُتبع” وكأنّه هو الرزّاق، فبينما ينعم الأسد وأقاربه بثروات سوريا وخيراتها يعيش ما يقارب 80% من الشعب السوري في فقرٍ مدقعٍ وصمتٍ رهيبٍ خوفاً من إرهابهم، فعارٌ علينا أن نتسوّل من الأمم المتحدة وغيرها والنظام يقوم بشراء أسلحة من ثرواتنا المغتصبة لقتلنا وتدمير ممتلكاتنا.

 

إلى جماعة “كنا عايشين”:

 

في الأعياد أولاد المسؤولين يركبون السيارات ويرتادون المطاعم ويأكلون ما لذّ وطاب من الأطعمة ويلعبون بالألعاب الكهربائيّة ويلبسون ثياباً من أفضل وأجود الماركات العالميّة وبالمقابل أطفال صغار آخرون يعملون ببيع مأكولات بسيطة أو بسطات صغيرة يحملونها فوق رؤوسهم يجوبون الشوارع لإعالة أسرهم وبعضهم كان يبحث بين النفايات لعله يجد شيئاً يسدّ حاجته، بأحذيةٍ مهترئة وملابس رثة كنا نرى المئات من أولئك الأطفال في عهد الأسد.

 

بقناعتي أن الرماديون هم الأغلبية الساحقة القاتلة وهم كالشيطان الأخرس لأنهم صامتون عن الحق، فهل هم أعداء الثورة؟!

 

أستغرب من أولئك الذين يرون إخوانهم وأقاربهم في حلب الشرقية ولا تفصلهم عنهم سوى مئات أو عشرات الأمتار محاصرين تحت وطأة القصف والجوع ولا يحرّكون ساكناً، وكثيرً من الناس يتساءلون هل جميع من يقطن في حلب الغربية موالون للنظام؟! وهل بعض الذين خرج من حلب الشرقية لمناطق النظام كانوا معارضين وعادوا كما يدّعي النظام لحضن الوطن؟!

 

لو أن الرماديين منذ بداية الثورة انحازوا لطرف المظلومين بغض النظر عن مصالحهم الشخصية، لسقط النظام منذ الأيام الأولى فهل من صحوةٍ جديدة لهؤلاء خاصة وأنهم يُقصفون من قبل النظام حالهم كحال باقي المدنيين فالنظام لا يفرق بين معارضين أو مؤيدين! أما آن الأوان لتخرجوا عن صمتكم وتعترفوا أننا لم نكن “عايشين” كنا مضطهدين كالأغنام وحان الوقت لأن نكسر القيود و نتنفس عبق الحرية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين