محاضرة في تربية الأولاد - تربية الأولاد ومحاولة ابعادهم عن النار
                                                                                                  

... محاضرة في تربية الأولاد

  إعداد : د/ صلاح الدين عباس شكر . 

الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . الحمد لله حمداً كثيراً يوافي نعمه ويكافئ مزيده ، يا ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، الحمد لله الهادي من استهداه ، الواقي من اتقاه ، والكافي من دعاه وتحرى رضاه ، حمداً بالغاً أَمَدَ التمام ومنتهاه .
أيها الأخوة الأفاضل :
أحييكم بتحية الإسلام الخالدة ، تحية أهل الجنة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...........
قال تعالى : (( المال والبنون زينة الحياة الدنيا )) ؛ أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض . قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) ؛ ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) ، فيا أيها الأب والولي الكريم : إن الله سوف يسألك عمن استرعاك لهم ، عن أطفالك ، وعن بناتك وبنيك ، وعن بيتك كيف رعيته ، وهل قدته إلى شاطئ السلامة .
أيها الأب الكريم : إن من أعظم ما يطالبك به دينك الحنيف ، أن تزرع الإيمان فيمن استرعاك وولاّك عليهم ، أن توقظ بيتك على ذكر الله ، وأن تمنع من بيتك كل ما فيه إغضاب له ، وأن تحرم في بيتك الأغنية الماجنة، والمسلسل الهدّام ، والمجلات الخليعة ، وكن إماماً وقدوة في الخير حتى ينشأ البيت وأهله على ذلك .
يقول الشاعر :
وينشأ  ناشئ الفتيان  منا      :     على ما كان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن    :      يعوده  التديّن  أقربوه
أيها الأب الكريم : إنك مسؤول عن توفير وتيسير الأصدقاء الصالحين ، وأن تحذرهم من رفاق السوء ، واعلم أن ما تقدمه لأبنائك من التربية الصالحة هو الذي ينفعك في آخرتك . يقول الرسول المربي صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أوعلم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) أو كما قال .
ومختصر القول في مسؤوليتك أخي ولي الأمر فيمن توليت أمر ولايتهم : _ 1 _ أن ترشدهم إلى الإيمان بالله ، وقدرته المعجزة ، وإبداعه الرائع عن طريق التأمل والتفكر في خلق السماوات والأرض ، وذلك في سني أعمارهم الأولى في سن الإدراك والتمييز ، ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) ، والمقصود بإرشادهم إلى الإيمان بالله وتربيتهم تربية إيمانية بربط الولد بأصول الإيمان : كالإيمان بالله سبحانه والإيمان بالملائكة ، والإيمان بالكتب السماوية ، والإيمان بجميع الرسل والإيمان باليوم الآخر وبسؤال الملكين ، وعذاب القبر ، والبعث والحساب والجنة والنار وسائر المغيبات ، والإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى . ثم ربط الولد منذ صغره وتعليمه وتفهيمه أركان الإسلام والعبادات البدنية والمالية من صلاة ، وصيام ، وزكاة ، وحج لبيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ، وأمره بالعبادات في سن السابعة ، وتعريفه أحكام الحلال والحرام ، وتأديبه على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحب آل بيته ، وتلاوة القرآن الكريم وتعويده على حفظ ما يتيسر من سور .
قال الشاعر :
وليس النبت ينبت في جنان   :     مثل النبت ينبت في الغلاة
وهل يرجى لأطفال كمال     :     إذا ارتضعوا ثدي الناقصات
كما أن على ولي الأمر : أن يغرس في نفوس من تولى رعايتهم روح الخشوع والتقوى والعبودية لله رب العالمين .
قال الشاعر :
ليس اليتيم من انتهى أبواه    :      من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقّى له    :      أماً  تخلّت أو أباً  مشغولاً
وقال الشاعر :
قد ينفع الأدب الأولاد في صغر   :     وليس ينفعهم من بعده أدب
إن الغصون إذا عدّلتها اعتدلت   :   ولا تلين  ولو لينته  الخشب
وعلى ولي الأمر : أن يربي فيمن تولى رعايتهم روح المراقبة لله تعالى في كل تصرفاتهم وأحوالهم ، وذلك بترويض الولد على أن الله يراقبه ويراه ، ويعلم سره ونجواه ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهذه هي التربية الإيمانية في البيت المسلم ، والأب المسلم ، والأم المسلمة ،
وبدون هذه التربية ، لا ينهض الأولاد بمسؤولياتهم ، لا يتصفون بأمانة ولا يعرفون غاية ، ولا يتحقق فيهم معنى الإنسانية الفاضلة ولا يعملون لمثل أعلى ولا لهدف نبيل ،
بل يعيشون عيشة البهائم ليس لأحدهم همّ سوى أن يسد جوعته ويشبع غريزته ، وينطلق وراء الشهوات والملذات ويصاحب الأشقياء المجرمين، وعندها يكون من الفئات الضالة والمنحرفة عن سبيل الهدى والرشاد والتي استباحت حرمات الله واستهانت بها وتجرأت عليها . قال تعالى:((والذين كفروايتمتعون ويأكلون كماتأكل الأنعام والنارمثوى لهم))
* مشكلات الشباب وأسباب الانحراف فيهم :
( 1 ) _ الفراغ : فالفراغ داء قتال للفكر والعقل وللطاقات الجسيمة ، والنفس مفطورة على الحركة والعمل ، فإذا كان الفراغ عند الشباب ، ضعفت حركة النفس واستولت عليها الوساوس والأفكار الذميمة والسيئة، وربما أصبحت نفس شريرة لتنفّس عن الكبت الذي سببه الفراغ .
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه  :   وأراه أسهل ما عليك يضيع 
( 2 ) _ الجفاء والبعد بين الشباب وأهليهم ومن غيرهم ، يشاهدون الانحراف ويقفون حيارى عاجزين عن تقويمهم وإصلاحهم ، وبذلك ينظر كل من الكبار والشباب لبعضهم نظرة ازدراء وهذا من أكبر الأخطار .
( 3 ) _ مصاحبة الشباب لرفاق السوء والمنحرفين ، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من رائحته ) ، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( ومثل الجليس السوء كنافخ الكير إما يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة ) وقال أيضاً: ( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ) .
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه   :   فكل قرين بالمقارن يقتدي
 ( 4 ) _ قراءة الكتب والمجلات والصحف الهدامة التي توقع الشك في نفس من يقرؤها تشككه في دينه وعقيدته ، وتجره إلى مهاوي الفجور والرذيلة والبعد عن الله وعن كتاب الله وتبعده عن إخوانه المؤمنين ، وتقربه إلى صحبة السوء والجهل والضلال .
( 5 ) _ ظن بل اعتقاد بعض الشباب أن الإسلام يقيّد حريتهم ويكبت
طاقاتهم ، ويزعمون أنه دين رجعي لا يصلح ولا يتعايش مع عصر
الحضارة والمدنية الحديثة المزعومة ، وسبب ذلك بُعد هؤلاء وجهلهم      
لحقيقة الإسلام وسوء تصورهم وقصور علمهم .
قال الشاعر :
ومن يكُ ذا فم مريض    :     يجد مرّاً به الماء  الزلالا
وقال الشاعر :
إذا  أردت   أن   تصادق      :     فصادق من الناس كبار العقول 
وجانب   من     الناس       :      الجهّال    أصحاب    الفضول        
     واشرب نقيع السّم من عاقل :  واسكب على الأرض داء الجهول
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه ، فقال الولد: يا أمير المؤمنين ، أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى . قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : أن ينتقي أمه ، ويحسن اسمه ، ويعلمه الكتاب ( القرآن ) . قال الولد : يا أمير المؤمنين ، إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك ، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، وقد سمّاني جعلاً ( خنفساء ) ، ولم يعلمني من الكتاب شيئاً واحداً ، فالتفت عمر إلى الرجل وقال : جئت إليّ تشكو عقوق ابنك ! وقد عققته قبل أن يعقك ، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ؟!
* العلاج :
_ 1 _ دواء الفراغ للشباب : أن يسعى الشباب في تحصيل عمل يناسبه من قراءة أو تجارة أو كتابة أو غيرها مما يحول بينه وبين هذا الفراغ .
_ 2 _ الجفاء : علاجه أن يحاول كل من الشباب والكبار إزالة هذه 
الجفوة والتباعد بينهم ، وأن يعتقد الجميع بأن المجتمع بشبابه وكباره كالجسد الواحد إذا فسد منه عضو فسد الكل.
 .. على الكبار أن يتحملوا مسؤوليتهم نحو شباب الأمة ، وأن يستبعدوا اليأس والقنوط من صلاح الشباب لأن الله قادر على هداية الناس جميعاً .
.. وعلى الشباب أن يضمروا لكبارهم الإكرام واحترام الآراء وقبول التوجيه، لأن تجربة الكبار وواقع الحياة لم يدركه الشباب بعد . وإذا التقت حكمة الشياب بقوة الشباب سعد الجميع بإذن الله تعالى .
_ 3 _ الاتصال بشباب وأصدقاء منحرفين ؛ علاجه : اختيار الصحبة الصالحة ممن هم من أهل الخير والصلاح وذوي العقل السليم .
_ 4 _ تقديم الكتاب : القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وما كتبه العلماء والصلحاء وإبعادهم عن الكتب الهدّامة .
_ 5 _ توضيح الإسلام وشرائعه وأصوله وأحكامه .                                                          
 وفي الختام أشكر لكم حسن  استماعكم وإصغائكم ، جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ، سائلا المولى جلّ جلاله أن يهدي ويصلح شباب وشابات و نساء المسلمين ، وهو ولي ذلك ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
 المدينة المنورة في 15/1/1428ه                       إعداد الدكتور: صلاح الدين شكر  
  ألقيت هذه المحاضرة في منتدى حي بئر عثمان بن عفان رضي الله عنه (مجلس الشيخ عبد الغني حسين ) وذلك يوم الإثنين 15/1/1428

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين