الحوار مع الآخر مطلب إسلامي - الحوار ومتطلباته وأهميته

الحوار مع الآخر مطلب إسلامي

د. خالد الهنداوي الشرق القطرية

مازال الغربيون عامة والعديد من مفكريهم والكثير من المسلمين وبعض المنتسبين للفكر منا يعدون الإسلام دين إكراه وقسوة وعنف وإرهاب، ويسخرون لذلك مختلف آليات إعلامهم للدفع في هذا الاتجاه ظلماً وعلواً مع أن طوائف جمة منهم تعرف أن الحق في غير ذلك، وأن الحوار والتعايش واحترام التعدد والاختلاف في هذا الإسلام هو الأصل الأصيل والركيزة التي لا محيد عنها في منهج هذا الدين الفريد الذي يصلح لحياة البشر عامة وليس للمسلمين فقط، وما ذلك إلا لأنه يقيم للآخر مكاناً ومكانة ويحترم حقه في الوجود والتمتع بكامل حقوق الإنسان، وإن الأدلة في ذلك أكثر من أن تحصر من النصوص القرآنية والنبوية والفقهية وواقع المسلمين وتاريخهم القديم والحديث، وعلى هذا فليست هناك مشكلة للذي يريد أن يعقل ويكون من البصراء المنصفين وإذا كنا نلاحظ أن كثيراً من أمراضنا الثقافية تحتاج إلى أطباء ممارسين مهرة فلابد أن نقدم عجالة في ذلك تعطي الدواء لكل ذي رأي سقيم أو معاند، مبينة أن الخطاب الإسلامي خطاب إنساني وتصالحي مع الآخرين وأن دوائره أوسع من أن يضيقها المتصفون بضيق العطن، ذلك لأن نظرة الإسلام إلى الآخر لا تقوم على العداوة وإنما على إيصال الرحمة إليه والشفقة على وضعه ومنهجه وليس الرغبة في الانتقام منه وإلغاء وجوده أو دوره في الحياة.
 ألا يكفي من البداية أن يعلم الجميع أن نظام الإسلام نظام عالمي أممي يقدر نفوس الناس جميعاً ولذلك يحرص أن يدخلهم في لجة رحمته طبقاً لما وصف الله به رسوله الأمين، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الأنبياء 107. وبنو آدم كلهم لهم التبجيل والقدر الشريف بغض النظر عن أديانهم ومعتقداتهم، قال تعالى "ولقد كرمنا بني آدم..." الإسراء 70.
ولم يجبرهم على اعتناق الإسلام بل نفى الإكراه في الدين فقال: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" البقرة 256. أي: إن الدين لا يتحقق عن طريق الإكراه وليس المعنى لا تكرهوا الناس لأن النهي عن الشيء فرع من تصوره كما يقول الأصوليون، والإكراه هنا غير متصور أصلاً، فكيف ينهى عنه، وهذا هو الراجح من أقوال المفسرين، وهو المتسق مع سماحة الإسلام لمن يريد أن يرمي أتربة الجهل عن نفسه، فالإسلام العلمي الموضوعي غير الإسلام الذي يفهمه البعض بأنه وثاب دوماً ضد الآخر حتى لو كان هذا الآخر مسالماً، الأمر ليس كذلك بل لننظر إلى خطاب القرآن الكريم في هذا الصدد لنقف على العلامة الكبيرة التي لا يجوز تجاوزها إلا بعد فهم معناها "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" الممتحنة 7.

وهكذا فإن السلام يعتبر الأساس الأول لأي علاقة مع الآخر مهما كان دينه ما لم يكن معتدياً محارباً بالمفهوم الخاص أو العام ولا غرو أن يكون هذا ديدن الإسلام ومنهجه في التعامل مع كل البشر لأنه مستمد من صفات الله الحَكَم العَدَل، ولذلك فإنه يشدد في حرمة عدم العدل حتى مع المخالفين "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" المائدة 8. "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" النساء 58.
إن الإسلام الذي ينادي المسلمين بأن يقووا قيم العدل والتسامح بينهم بهدف وحدة أمتهم، يعتبر أن الاختلاف المشروع عامل من عوامل هذه الوحدة وبالتالي فإنهم يصبحون أقوياء لا يضرهم أن يرحموا الآخرين من غير المسلمين بهدف الدعوة وتبليغ رسالة التوحيد والحق فقد يكون اتفاق بين الطرفين وهذا شيء طبيعي وقد يكون اختلاف معقول إنسانياً ودينياً بين الأنا والآخر وهذا شيء طبيعي أيضا؛ لأن الإسلام يعترف بالتنوع ويدعو من خلال هذا التنوع إلى التعاون والتعارف دون إثارة التهارج والعراك الذي لا يعود بطائل على المسلمين وهو يعلن "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون... لكم دينكم ولي دين" الكافرون "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..." الحجرات 13.
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في محاضرة عن سنة الاختلاف في الإسلام: إن الواجب الذي يخاطب الله به المسلم هو صنو الواجب الذي يخاطب به جميع الناس، وإن الله ما تعبدنا لإقامة المجتمع الإسلامي باجتثاث الاختلافات عنوة مع الآخرين وإنما تعبدنا بأن نتلاقى ونتحاور وضرب لذلك مثلاً بالوثيقة التي أبرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجتمع المدينة الأول حيث قامت على النسق التعاوني بين شتى فئات الناس ومنهم يهود وأشتات أخرى من أهل الكتاب، لقد ركزت هذه الوثيقة الخالدة على ألا يتحول الاختلاف بين هؤلاء إلى سبب عدواني بين الفرقاء أرأيتم إلى المجتمع الإسلامي كيف يحتضن الاختلاف بالتفاهم والحوار أقول: أجل إن الحوار مطلب إسلامي في جميع الأقوال والأفعال والأحوال في الخطاب الإسلامي المستمد من الوحي الإلهي.
 ولكن مما يجب أن نلحظه دوماً كيف يمكن أن نتحاور مع الآخر وما الآلية المستخدمة لجهاد السلم والحرب بالعدل والحق فرفع السيف أيضا له شروطه وضوابطه زماناً ومكاناً وظرفاً وحالاً اللهم إلا أن يدهم الأعداء البلاد فيفرض الجهاد بقدر الإمكان وبكل ما يستطيع المسلمون لدفع الاحتلال والاغتصاب.
 وعلى كل نؤكد أن الحوار لا يكون أصلاً إلا مع التعدد وهو ضروري لذلك على مختلف الأصعدة والمستويات لأنه إذا لم يقم الحوار فستكون القطيعة والقطيعة على غالب جوانبها لا تؤدي إلى خير بل إلى شر وفتنة ولابد إذن ونحن داخل الوطن الواحد المتنوع في الانتماء الديني إلا من التحاور وقبول كل واحد للآخر بالمقاييس التي يقرها ديننا الإنساني العالمي الذي قام أساساً على احترام التنوع وأيضا فإن الإسلام أقام لغير المسلمين حقوقهم ورتب عليهم واجبات تصب في مصلحتهم في ظل المجتمع الإسلامي.
 أما إذا نظرنا إلى وضع المسلم في البلاد غير الإسلامية فإننا نرى أن عليه واجب الوفاء بالعهود والمواثيق تجاه الآخر دون غش ولا خديعة، وأن له حقاً باعتباره واحداً من الأقلية أن تحقق له المساواة ومنح الحرية قانوناً، والسماح له أن يتعامل مع محاكم شرعية توافق معتقده، وألا تسعى دولة الأكثرية لتذويب الأقلية، وكل هذا يجب أن يتم بالتفاهم والحوار، وأما ما نراه من فتاوى تحلل أموال الأكثرية بسبب ظلم فيها فإنها لا تجوز وعلى المسلم أن يبقى أمثولة للآخرين وقدوة في النزاهة والتجرد، فالضرر يزال شرعاً ولكن لا يزال بمثله ولا بأشد منه.
ولعل في المثال الذي ضربه الدكتور علي القره داغي في كتابه "نحن والآخر" ص 117 عن سيدنا يوسف عليه السلام وكيف عاش في مصر ولم يظلم أهل البلد ولا مولاه العزيز مع أنه لم يكن مسلماً وقد قال يوسف بعد محاولة زوجة العزيز "إنه لا يفلح الظالمون" يوسف 23. وننظر إلى يوسف كيف حاور في مختلف فصول قصته الشهيرة، وكذلك فإنه لما ضيق عليه من النسوة وهدد بالسجن وسجن لم يقل أريد الهجرة من هذا البلد بل قال: "رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه" يوسف 33. فأحب البقاء في الوطن الذي عاش فيه، ولم ينس في زحمة هذه المحن الدعوة إلى الله حتى في السجن ونجح في كل ذلك حتى صار زعيم مصر وأفلح في صناعة الحياة والدعوة للإسلام بالحوار والإقناع والحجة.
 وإن حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء جميعاً كلها حياة مليئة بالحوار، فلا علينا إلا أن نتمسك به لأنه مطلب إسلامي له ما وراءه من العوائد والمنافع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
د.خالد الهنداوي (الشرق القطرية 9/8/2009م)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين