مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب - الي سبيل التعايش والتفاهم
نحو طريق للحوار والتعايش بين المذاهب الإسلامية
نتقدم إلى إخواننا العلماء برجاء المشاركة في هذا المنتدى العلمي الذي يتعلق بواقع أمتنا، وما تعايشه من أحداث جسام، من أظهرها ما أفرزه الاحتلال الأمريكي البغيض من اقتتال طائفي، وحرب مستعرة بين الشيعة وأهل السنة في العراق.
وهل من سبيل للحوار والتفاهم والتقارب والتعايش في وقت تسود فيه لغة القتل والدم ؟!..
لا سيما من فئة باع كثير من قادتها أنفسهم لأعداء الدين، واستجلبوه لأرضهم، وتحالفوا معه، ويسعون لتحقيق مآربهم.. إذ الغاية تبرر الوسيلة عندهم... وإن الذي يعايش الوضع العراقي وما يمكن أن تجلبه هذه الحرب المسعورة التي تقودها ميليشيات إرهابية موتورة... والتي تقابل برد فعل من الجانب الآخر... أو من تجاوزات وتوريطات سعى المحتل لإشعالها... ليثير( الفوضى الخلاَّقة) وليحقق مبدأه: فرق تسد...
كل ذلك يدعو العقلاء لتدارس هذا الأمر، ورأب هذا الصدع، وإطفاء هذه النار...
 وهذه دراسة كتبها العلامة الشيخ : يوسف القرضاوي في مبادئ دعا لها في إقامة جسور التواصل بين المذاهب الإسلامية.. وقدمها في مؤتمر التقريب بين المذاهب الذي عقد في البحرين منذ ثلاث سنوات، وطبعها في سلسلة رسائل ترشيد الصحوة(13) في سنة 1425هـ.2005م .
بين فيها معنى التقريب بين المذاهب... ووضع عشرة مبادئ للحوار والتقريب.، وقد قمنا باختصارها وتقريبها لمطالعتها ودراستها وإبداء الرأي وإثراء الموضوع... ولا شك أن ما دعا له الشيخ ـ حفظه الله ـ نوافقه على أكثره... ولكن الواقع المر الذي نتجرعه، والمآسي التي نعاني منها، تحتاج إلى مزيد من المناقشة والحوار...
يدعو الشيخ ـ حفظه الله ـ إلى حسن الفهم، والتعرف على موقف الطرف الآخر.. وأحسب أن الكثير من الدراسات الموثقة المتجردة من التعصب، تعرفت على مذهب الإمامية، ونقلت من مصادرهم المعتبرة ، وكشفت الحقائق الواضحة الجلية مما يدعو إلى مطالعتها والاستفادة منها .
 كما يدعو ـ حفظه الله ـ إلى حسن الظن بالآخر... ولقد أحسنا الظنَّ بهؤلاء.. وفرحنا بانتصار ثورتهم وكنا معهم في معركتهم الأخيرة في لبنان.... ولكن الواقع الذي نعايشه.. والتاريخ الناطق بالعبر.. يدعو إلى مراجعة موقفنا من استمرار حسن الظنِّ بهم..
 ويتكلم الشيخ ويناقش في المبدأ السابع: مسألة تكفير الشيعة بروح علمية هادئة...ويرد على المتسرعين إلى تكفيرهم..بعدم صحة دعوى تحريف القرآن، وعدم أخذهم بالسنة النبوية من مصادرها المعتبرة لدى الأمة، وسب الصحابة، وعصمة الأئمة...
وينقل من أقوال المعتدلين من أهل السنة، ما يخفف حدة التوتر، بعدم تكفير ساب الشيخين بما نقله من كلام ابن عابدين.. ونحن نؤيده في ذلك، ولكن القضية ليست قضية سب للشيخين ولغيرهما من الصحابة أو لعن... ولكنها مسألة تكفير لهم.. كما تعجُّ بها كتبهم.. ممالا نحب أن نكدر هذه الصفحات بأقوالهم الصريحة الجلية في التكفير...
 ولهذا لا بد من التفريق في الحكم بين غلاتهم من كبار مراجعهم الدينية، وبين جمهورهم من العامة المقلِّدين..
وإن موقف الشيخ المتسامح معهم، لا يعني الرضا بالواقع المر، الذي نتج عن سكوت آياتهم في العراق وإيران ، بل وتكريس هذا الواقع المؤلم في أرض العراق.؟.. وهذا ما أعلنه الشيخ في البيان الصادر عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وما أعلنه في خطبته الأخيرة التي قمنا بنشرها على موقعنا بعنوان:حصاد عام 2006م.
فإلى دراسة هذه القضية، وإلى مزيد من الحوار البناء الهادف، نجدد الدعوة لإخواننا العلماء في سوريا وغيرهم للمشاركة في هذا المنتدى العلمي. والله من وراء القصد.
مجد مكي
21/12/1427هـ
 
 
مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية
للدكتور: يوسف القرضاوي
تمهيد
ما المراد بالتقريب بين المذاهب؟
ليس المراد بالتقريب بين المذاهب: أن يتنازل السني عن سنيته، ويندمج في مذهب الشيعي، ولا أن يتنازل الشيعي عن شيعيته، ويذوب في مذهب السني، فهذا ليس مقصوداً لأي واحد من الطرفين، وإن كان كل منهما يتمنى ذلك. ولكن الحياة لا تسير عجلتها بالتمني.
وذلك لأن المذاهب التي استقرت منذ قرون، وتوارثها الأبناء عن الآباء، والأحفاد عن الأجداد، ونشأ عليها الصغير، وهرم عليها الكبير: ليس من السهل أن يتخلى عنها أصحابها بمقالة تقرأ، أو بخطبة تلقى، أو ببحث يكتب، أو بندوة تعقد.
إنما المطلوب من الحوار والتقريب هنا: تصفية الأجواء مما يكدرها من أسباب التوتر، وسوء الظن، وفقدان الثقة بين الفريقين، مما يمكن أن يؤدي ـ إذا تفاقم واستمر ـ إلى فساد ذات البين، وفساد ذات البين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي: الحالقة، لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.
ولا أحسب مسلماً ـ سنياً كان أوشيعياً ـ يحب أن يحلق دينه، كما تحلق الموسى الشعر، بل كل منهما يحب أن يبقى دينه محفوظاً موفوراً.
ولكي نعمل على تصفية الأجواء، ينبغي علينا: أن ندع الأشياء التي توغر الصدور، والتي توقظ الفتن، والتي تثير النزاع، وأن نبحث عما يقرب لا عما يباعد، فلقاءات التقريب ليست لقاءات :" مناظرة" يحاول كل طرف أن يقوي حجته، وأن يدحض حجة الطرف الآخر، ليكون له الظفر، وتتم له الغلبة على خصمه.
ليس هذا مراداً هنا بالتأكيد، فهذا من شأنه أن يثير لا أن يهدئ، وأن يباعد لا أن يقرب.
ولقاءات التقريب لا تمنع من لقاءات أخرى تعقد في صورة حلقات ضيقة، يجتمع فيها أهل العلم من دعاة الاعتدال من الطرفين، بعضهم إلى بعض، ويحددون بعض القضايا للنظر فيها في ضوء الأدلة، وفي ظل الأخوة، وبروح العلماء الذين تتسع صدورهم للرأي الآخر، ولا يتعصبون تعصباً أعمى لرأي وإن كان شائعاً ومتوارثاً.
ويحسن بهم أن يبدؤوا بالمسائل الأقرب إلى القبول، والأقل حساسية في أمور الخلاف.
والمهم هنا هو تأكيد مفهوم التقريب، والحوار الذي يتم بقصد تحقيقه، فلا بد أن نراعي مبادئه من حيث الغاية، ومن حيث المضمون، ومن حيث الأسلوب.
 
مبادئ عشرة في الحوار والتقريب
 
 
 
1 ـ حُسنْ الفهم:
أول ما ينبغي أن تقوم عليه محاور الحوار الإسلامي الإسلامي، هو:حسن الفهم؛ فمما لا ريب فيه أن حسن الفهم مطلوب في كل شيء، قبل البدء في أي عمل حتى يكون السير فيه على بصيرة؛ لأن صحة التصور ضرورية في صحة العمل والتصرف.
ونعني بـ(حسن الفهم) حسن التعرف على حقيقة موقف الطرف الآخر، وذلك بأخذ هذا الموقف من مصادره الموثقة، أو من العلماء الثقات المعروفين، لا من أفواه العامة، ولا من الشائعات، ولا من واقع الناس؛ فكثيرا ما يكون الواقع غير موافق للشرع.
ومن المهم أن نفرق بين الأصول والفروع، وبين الفرائض والنوافل، وبين المتفق عليه والمختلف فيه، وبين الشائعات والحقائق، وبين ما يلزم به الفقه وما يعمله الناس من عند أنفسهم.
خذ مثلا قضية (تحريف القرآن)؛ فهناك من علماء الشيعة من قالوا: إن القرآن الكريم محرف؛ بمعنى أنه ناقص، وليس كاملا، وألفوا في ذلك كتبا، واستدلوا على ذلك ببعض الروايات التي تسند رأيهم من (الكافي) ومن غيره من كتبهم المعتبرة عندهم.
ولكن هذا الرأي ليس متفقا عليه؛ فهناك من علمائهم من رد عليه، وفند شبهاته، وهذا هو الذي يجب أن نعتمده، ولا نعتمد الرأي الآخر.
والذي يجعلنا نعتمد رأي نفاة التحريف في القرآن جملة أمور:
1ـ أنهم جميعا متفقون على أن ما بين دفتي المصحف كله كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
2ـ أن المصحف الذي عند الشيعة في كل العالم اليوم هو المصحف الذي يوجد عند أهل السنة؛ فالمصحف المطبوع في إيران هو نفسه المطبوع في السعودية وفي مصر وفي باكستان والمغرب وغيرها من بلاد العالم الإسلامي.
3ـ أن هذا القرآن -الذي يدعي البعض تحريفه- هو الذي يفسره مفسرو الشيعة من قديم إلى اليوم، لا يوجد قرآن غيره يقومون بتفسيره، وهو الذي يتحدثون عن بلاغته وإعجازه إلى اليوم.
4ـ أن هذا القرآن هو الذي يستدلون به على معتقداتهم في كتبهم العقائدية، وهو الذي يحتجون به على الأحكام في كتبهم الفقهية.
5ـ أن هذا القرآن هو الذي يعلمونه لأولادهم في المدارس الدينية والحكومية، وعلى شاشات التلفاز وغيرها.
فهذا ما جعلنا نؤكد وجوب التفرقة بين المتفق عليه والمختلف فيه، والمتفق عليه هو الذي يلزمنا.
 وخذ مثلا قضية حرص الشيعة في صلاتهم على السجود على حصاة؛ فالشائع عندنا أهل السنة- أن الدافع إلى ذلك هو تقديس الشيعة لهذه الحصاة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين