كلمة الدكتور رمضان شلح في جامع عبد الله بن عباس في حلب رمضان 1430 - إحياء ليلة القدر وكلمة رمضان شلح

كلمة الدكتور رمضان شلح

في جامع عبد الله بن عباس في حلب رمضان 1430

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين إمام المجاهدين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحييكم بتحية من عند الله مباركة طيبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني وأخواتي وأهلي الأحبة في حلب الشهباء: شعرت ـ وأنا أدلج إلى باب المسجد، والناس يُهرولون ـ شعرت بقشعريرة تسري في بدني، وكأنني أدخل إلى رحاب بيت الله الحرام، وكأنني أدخل إلى رحاب المسجد الأقصى.
ذكّرني هذا الجمع الكريم بآخر ليلة من عمري رأيت فيها المسجد الأقصى، وكان ذلك في صيف عام 1986 كنا نحرص أن نسافر من غزة المجاهدة؛ غزة الحرب والنار في بدايات الدعوة للجهاد في سبيل الله لنحي ليلة القدر في المسجد الأقصى، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسجد الأقصى في قلوبنا نطوف به في هذا الترحال بين أهلنا وأحبابنا وشعوبنا في كل أصقاع الأرض من المسلمين.
سأل شيخنا عن حال الأمة... وأود أن أجيب: الأمة التي تعرف ربها، الأمة التي تعرف نفسها، الأمة التي تعرف بارئها، الأمة التي تعرف واجب ربها في ليلة القدر، وتأتي بهذا القدوم على الله، أمة لن يضيِّعها الله عز وجل، أمة لن يخذلها الله سبحانه وتعالى، أمة دبت فيها الحياة لأنها من النبع الأول استجابت لنداء ربها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).
أنتم هنا في هذه الصفوف تستمعون لهذا الترتيل الرباني الندي، إنما أنتم هنا تستدمنون معنى الحياة بكل قِيَمها، وبكل قداستها، الحياة التي أرادها لكم الله سبحانه وتعالى، ولكن حالة الضعف، وحالة الهوان التي يشكو منها شيخنا ونشكو منها جميعاً إلى الله صباحاً ومساء... مصدرها أيها الإخوة الكرام أننا أمة إذا كنا أخطأنا في حق أنفسنا، وفي حق الله سبحانه وتعالى، إنما أخطأنا أكبر ما يكون الخطأ في أننا لا نعلم علم اليقين، ولا ندرك قيمة هذه الأمة عند الله أولاً، وعند الأمم وفي ميزان الحياة والتاريخ كله، كيف؟ كلنا نعلم أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن رسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة، ما جاء إلى نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتمة المطاف لكل رسالات السماء؛ لأن جوهر رسالات السماء كلها واحد، وهو الإسلام [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ] {آل عمران:19}  [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ] {آل عمران:85}
كان من عظمة هذه الأمة أنها أكرمت بأنها خاتمة المطاف؛ ولكن عندما يسال سائل: نزل الإسلام والقرآن قبل ألف وأربعمائة عام، وخاطب العرب في الجزيرة العربية ليكون للناس كافة، للبشر كل البشر، من لحظة ختم الرسالة إلى يوم الدين، ما بال الله سبحانه وتعالى يترك البشرية بدون مرسَلين، والفساد سيستمر في الأرض، وسيبتعد الناس، وسيضلون الطريق، كما كانوا يفعلون قبل ختم الرسالة، وكان الله عز وجل يتعهدهم بين فترة وأخرى بتجديد الدين، وبرد البشرية إلى جادة الصواب برسالة، أو برسول جديد إلى أن ختم هذا الباب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
 عندما ختمت الرسالات برسالة الإسلام، ومن تلك اللحظة إلى يوم الدين، لِمَن عهد الله سبحانه بمستقبل هذه البشرية ومسؤوليتها ومسيرتها وأمانتها؟ إن الله عز وجل عوَّض البشرية كلها بإرسال الأنبياء والمرسلين، وقفل الباب؛ باب الرسل بأمة خاتم الرسل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
 فأنتم الأمة المصطفاة التي ستتناوب من لحظة ختم الرسالة إلى يوم الدين عن مجيء الأنبياء مجدداً.
أنتم المؤتمنون على هذه الرسالة، أنتم المؤتمنون على الإسلام، أنتم المؤتمنون على البشرية كلها. لذلك عندما نأتي في ليلة القدر، يقول شيخنا: كلنا لنا حاجة إلى الله سبحانه وتعالى. أحدنا يريد من الله مالاً، والآخر يريد صحة،أو رزقاً، أو عزا،ً أو ملكاً، أو جاهاً؛ ولكن ماذا عن الأمة كلها، وعن دورها, وعن حالها، وعن مستقبلها في العالم كله؟ هي مسؤوليتنا جميعاً، ولذلك قلت أننا أمة نخطئ في حق أنفسنا، وفي حق الله عز وجل عندما لا نقدّر قيمة هذه الأمة!!.
نحن أمة لم تصنعها الجغرافية وجدنا أنفسنا أبناء بيئة واحدة نتكلم لغة واحدة فنحن قوم واحد وأمة واحدة لا, نحن أمة لم يصنعها التاريخ، نحن أمة صنعها الله سبحانه وتعالى وهو الذي أخرجها لتؤدي دورها في هداية الناس بعد انقطاع الرسل، وهو القائل: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] {آل عمران:110}  هذه هي الوظيفة { تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ} هذا  العنوان هو الذي يصحِّح مسيرة البشر إلى يوم الدين، أمر بمعروف ونهي عن المنكر،بذلك يتحقق ما جاء بعدها (وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) كأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دواعي ومن شروط الإيمان وخيرية هذه الأمة.
 هذه الأمة عرفها الله سبحانه وتعالى بقوله [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا] {البقرة:143} سأقف عند هذه الكلمة ثم أكمل الآية لماذا؟ لأن بعض الناس روَّجوا لنا أن الوسطية في الإسلام تعني أن تختار موقعاً جغرافياً وسطاً بين نقيضين متضادين، طيب بين الاشتراكية والرأسمالية، تأخذون مذهباً مختلطاً، إنسان متطرف وإنسان معتدل، أنت في الوسط إنسان مفرط، إنسان لديه إفراط، أنت في الوسط. لا أيها الإخوة هذه ليست هي الوسطية التي سينتهي بأصحاب هذا النهج القول بأن الوسطية تعني التسامح والرحمة، وينتهي بنا الأمر وإذا بنا يطلب منا وكأننا فقط نقول للناس: إن ضربونا على خدنا الأيمن ندر لهم الخد الأيسر لا، الوسطية في الإسلام تعني العدل والخير، ورسولنا صلى الله عليه وسلم عندما قال :"قريش من أوسط الناس نسباً" أو كما جاء في الأثر، فهذا يعني أنها من أفضل الناس وأجود الناس، فهذه الأمة هي أفضل وأعدل أمة وأجود أمة.
الوسطية تعني أننا مركز (البيكار) في العالم كله لماذا؟ لأن الله جعل لهذه الوسطية دوراً نكمل الآن الآية [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] {البقرة:143} معنى لتكونوا شهداء: أنتم الحجة، أنتم المعيار، أنتم المقياس في العدل في الخير في الإنسانية في أي شيء. كيف يمكن أن نصلح لنكون معياراً ومقياساً وحجة على الآخرين ونحن في حال يُرثَى ؟ّ! لابد أن نستعيد هذا الموقع أولاً أن نعود لنكون خير أمة أخرجت للناس.
عندما كنا خير أمة كنا ندرك أن كل مافي الكون كله يسيّره الله سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه وتعالى - كل ما في هذه الحياة من خير ومن شر- إنما يسير بإرادته وبمشيئته عز وجل.
 في تاريخ الإسلام عندما كنا خير أمة خرج المسلمون في بدر، وكلكم عشتم في رمضان أيام بدر وكان الانتصار. والقرار في بدر لم يكن قراراً سياسياً ولا قرار قائد عسكري، أو حاكم دنيوي لا، حتى إنه لم يكن قرار النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل كان القرار في بدر هو قرار الله عز وجل كيف؟ القرآن يقول لنا فيما يخاطب به نبيه [كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ] {الأنفال:5ـ 6}
الله سبحانه وتعالى تنزل على هذه الأمة بالنصر، في بدر، وفي فتح مكة. هذا حدث في رمضان وفي عين جالوت وقبله في فتح عمورية وكثيرة هي محطات الإسلام عندما كنا خير أمة كان القرآن هو الذي يحركنا وهو الذي يحيينا، وهو الذي يقود مسيرتنا، ورمضان الذي نهرع فيه مقبلين على الله في هذه الليلة بالخشوع والقيام والضراعة، رمضان هذا عندما عرّفه القرآن قال: [شَهْرُ رَمَضَانَ] {البقرة:185}   ما الذي يجري فيه؟ ما هي هوية هذا الشهر؟ [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ] {البقرة:185}  لذلك نحن بإقبالنا على الله، وعلى مأدبة الله على القرآن الكريم في شهر الله إنما نضع أقدامنا على الطريق الصحيح، بالعودة الجادة إلى الله لنستعيد ذاتنا ونستعيد هويتنا، ونستعيد مكانتنا كخير أمة أخرجت للناس.
لا يُعقل أن تبقى هذه الأمة في هذا الضعف، وفي هذا الهوان فيما مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى الذي خصه النبي مع مسجده والمسجد الحرام بشد الرحال "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المجد الحرام ومسجدي هذا- مسجد النبي في المدينة المنورة- والمسجد الأقصى".
المسلمون الآن يتسابقون بشد الرحال إلى بيت الله الحرام وإلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أولى القبلتين ما زال تحت حرِابِ الغزاة، ما زال تحت حراب المحتلين في انتظار أمة الإسلام، أمة بدر وأُحُد وحُنَين والقادسية واليرموك وعين جالوت؛ أمة التوحيد التي فتحت أفاق الدنيا بالإسلام وبالعقيدة وبالقرآن. ما بال أعداء الإسلام اليوم يجدون لقمة سائغة بغداد الرشيد، عاصمة الخلافة، تُستباح للغزاة المحتلين، ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  ترفرف عليه راية الكفر والطاغوت هناك راية اليهود والصهاينة الغزاة .
هذه الرايات المجرمة لن يسقطها إلا أبناء الإسلام، ولن يسقطها إلا حملة القرآن، لن يسقطها إلا حملة راية الجهاد والتوحيد، أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
نسأل الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة المباركة أن يجعلها ليلة قدر، يُقدّر لنا فيها النصر ،ويُقدّر لنا فيها الخير ،ويقدّر لنا فيها العزة، ويُقّدّر لنا فيها الكرامة، ويُقدّر لنا استعادة المكانة المفقودة بين الأمم، فنعود نبراساً للبشرية كلها، نمارس الشهادة على العالم، يوم يكون الرسول علينا شهيداً بقرآنه وسنته.
بارك الله فيكم ووفقنا وإياكم لما فيه الخير وتقبل الله صالح الأعمال منكم من القيام والصيام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين