لماذا أفرح بالعيد - عيد

لماذا أفرح بالعيد؟!

عمار يحيى



صالح طالب في المرحلة المتوسطة، كثير التساؤل، وقليلاً ما يجد إجاباتٍ شافيةً على أسئلته، قد تكون بعض الإجابات مقنعة، لكنها لا تجلو كل القتام عن سؤاله.
سألَ أباه يومًا:
-    أليس على المسلم أن يؤمن بكلِّ الأنبياء والكتب السماوية؟
-    بلى.
-    فلماذا نحتفل بعيدي الفطر والأضحى، ولا نحتفل بميلاد المسيح عليه السلام؟

إنَّ سؤال صالح في حقيقته لا يدور حول الفرق بين الإسلام والنصرانية، إنما هو سؤال عن مفهوم العيد، والمقصود منه.
ما العيد؟
إذا كان العيد مجرّد موسمٍ للفرح، فإن هذا سيجعل الإجابة على سؤال صالح إجابةً عسيرة، بل قد يفتح الباب لعدد كبير من الأسئلة، التي لا تقلُّ أهميةً عن سؤال صالح:
-    لمَ لا نحتفل برأس السنة الهجرية أو بالمولد النبوي أو بذكرى بدرٍ احتفالَنا بعيدي الفطر والأضحى؟
-    أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خير الخلق، وهو الرحمة المهداة، وبعثته كانت بعثة الخير للبشرية كلها؟ فلمَ لا يكون يومُ بعثتِه عيدًا؟!
-    إنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يتخذوا من يوم بناء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة عيدًا، ولا من يوم فتح مكة، وكتبَ الله تعالى لهم النصر في مواطن كثيرة، كانت فتوحًا عظيمة للإسلام، فلمَ لم يتخذوا أيًّا من هذه المناسبات عيداً؟
-    ألا يجوز أن أحتفل بأعياد الرسالات السماوية غير الإسلام؟
-    ألا يجوز أن أحتفل بعيد الحبِّ وعيد رأس السنة وعيد المعلم، وأشباهها ؟

لعل هذه التساؤلات كلها ستجد ما يبررها إذا كان العيد موسمًا متعلقًا بمناسبة أو بذكرى ما (فقط). فالمناسبات كثيرة ومتجددة، ومن العسير المفاضلة بينها.
غير أنَّ من معاني العيد التي يحسن بالمربي ملاحظتها أنه أقربُ إلى "المكافأة" منه إلى المناسبة، والمعنى هنا دقيق، ففرح الفائز بفوزه وبجائزته غير فرحه بذكرى هذا الفوز وذكرى نيله الجائزة.
والمكافأة إنما يستأهلها من حقق إنجازًا جليلاً، وبلغ رتبة عالية، أما الذكرى فهي وقوف على أطلال هذا الإنجاز، واستذكار للذة الفوز به، وشتان بينهما.
وهذا المعنى نفهمه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) [رواه البخاري]، فجعل الفرحتين جائزةً للصائم على صومه، فرحته بفطره في الدنيا، وفرحته بمقامه في الجنة. ولهذا سُمّي يوم العيد بيوم الجائزة، تحقيقًا لهذا المعنى الدقيق.
وكذلك الأمر في عيد الأضحى، فهو جائزة لمن أطاع الله تعالى، ووُفِّقَ في العشر التي أقسم الله تعالى بها -عشرَ ذي الحجة- إلى الطاعة والعبادة.
ومعروفٌ أنَّ أداء حقِّ رمضان يُطهّر المرء من الذنوب فيعود كيوم ولدته أمّه، وكذلك الحال في عشر ذي الحجة، وهذا إنجازٌ عظيمٌ للمسلم، ورتبة عالية يَمنُّ الله عليه بها، فيستحق مَن بلغها الجائزةَ والمكافأة.
إنَّ معنى "الجائزة" هو الذي يجعل العيد عيدًا، وهو يتعلق بالمرء نفسه وما يوفقه الله تعالى إليه من إنجاز، وهذا المعنى لا يتحقق في غيره من المناسبات، على جلالة قدرها، فليس في تلك الذكريات والمناسبات ما يبلغ بالمرءِ -مستحقِّ العيد- هذا المبلغ من الإنجاز.
وهذا المعنى يجب أن يتنبّه له المربي، فيربط العيد بالإنجاز الذي وَفقَ المرء (الطفل) لتحقيقه، ومدى استحقاقه لهذه الجائزة؛ فيفرح بالعيد فرَحًا يتناسب مع إنجازه وأدائه حقّ رمضان وعشرِ ذي الحجة، دون أن يذهب به ذلك مذهبَ العُجب، فإنّما بلغ ذلك بتوفيق الله تعالى، وهذه نعمة تستوجب الشكر؛ قال تعالى في صيام رمضان: (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، وقال في نُسك الحج: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) إلى قوله تعالى: (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج: 34-36]، فيكون العيد فرحًا بما وُفِّقَ إليه المسلم من طاعةٍ تستحقّ الشكر، قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس: 58].
ولسنا هنا نزعم أنَّ هذا هو المعنى الوحيد الذي قُصِدَ العيد له -بل إنَّ هناك معانيَ مهمة أيضًا، منها أنهما العيدان اللذان شرعهما الله تعالى لنا، وأنهما عيدان يعبران عن خصوصية هذه الأمة...- لكنّه معنى تربويٌّ مهمٌّ يجدر بالمربي التنبُّه إليه، وملاحظته، والتوعية به.
عند ملاحظة هذا المعنى تكون الإجابة على سؤال صالح يسيرة:
-    إننا نحتفل بعيدي الفطر والأضحى لأنَّ الله تعالى شرعهما لنا جائزةً لمن اغتنم فرصة غفران الذنوب في رمضان وذي الحجة، لكن ماذا فعلنا في ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام أو ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، على جلالة هاتين الذكريين، حتى نستحقَّ المكافأة عليهما؟

وبذا يوجّه المربي ولده للاحتفال بالعيد احتفال المنتصر بنصره، والفائز بفوزه، فيعيش العيدَ وهو يشكر الله على ما وفقه إليه من فوز واستحقاق، وهو ينتظر تمام الفوز في الآخرة، فما فرحةُ العيد إلا تمهيد للفرحة العظمى يوم لقاء الله تعالى.
والحمد لله ربِّ العالمين
من موقع الرشد التربوي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين