عيد الفطر السعيد - العيد

عيد الفطر السعيد

للأستاذ إحسان النمر

الأعياد عند الشعوب والأمم , عيد الإسلام بعد طاعات كبيرة , صلة الأرحام, سنن العيد ومظاهره, حقيقة العيد , فترة انتقال تخطيط للعام المقبل على ضوء التسامي الماضي .

الأعياد عند الشعوب والأمم

كانت الأمم والشعوب ولا تزال تخصص بعض أيام السنة بالأعياد, فتوقف الأعمال وتقيم المهرجانات والحفلات وتجتمع في الميادين للألعاب والمباريات التي تجري فيها كل ما يسر ويضحك . وهذه الأعياد إنما توجد في مناسبات قومية لتجديد الذكرى بالأمجاد ولتنشئ الجيل على حبها وتقديرها وتقليد أصحابها إن أمكن.
عيد الإسلام والفطر والأضحى
ولما كان الإسلام دين الفطرة فإنه خصص لأتباعه عيدين جعلاً عقب الطاعات الكبرى الشاملة للذكريات التاريخية. الأول عيد الفطر السعيد الذي رمضان شهر الطاعات والذكريات التاريخية الكبرى: نزول القرآن وغزوة بدر وفتح مكة وإذلال الوثنية عدوة الإسلام. والثاني عيد الأضحى إثر الحج.
لقد جعل عيد الفطر في مطلع شوال بعد ثبوت هلاله الذي يتم بالإشهاد مع التدقيق لأنه خروج من الطاعة ويكون لإثبات هلاله روعة الزائر الكبير الذي لا يعين وقت وصوله بدقة فينتظره الناس حتى إذا أطل قامت المهرجانات والأفراح وهرع الناس إلى المساجد قبل بزوغ شمسه بأحسن الثياب يهللون ويكبرون يرتلون الحمدلة المجيدة ((الحمد لله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده )) في ترميز إلى التوحيد وإنجاز الوعد والنصر المؤزر وهزيمة الأحزاب الذين تجمعوا في كل صوب للقضاء على الإسلام . ويكررون ذلك إلى أن ترتفع الشمس فتقام صلاة العيد وهي ركعتان مع التكبيرات الكثيرة . فإذا أتم الإمام الصلاة صعد المنبر بالتكبير والتهليل ثم يشرع بالخطاب واعظاً المسلمين مذكراً بوجوب استثمار النمو النفسي الذي بلغوه في رمضان داعياً إلى التزاور والتراحم حاضاً على الحج والزكاة للقادرين مكرراً جملة الله أكبر ولله الحمد تلك الجملة الجامعة وهي نخوة الإسلام التي محت نخوات الجاهلية يا آل فلان ويا آل علان . ثم يجلس  فيدعو السامعون بما يشاءون , ثم ينهض ويذكر بصدقة الفطر ثم يزف الخلفاء الراشدين معدداً مناقبهم وصفاتهم وما كانوا عليه من المناقب والصفات العالية داعياً إلى الاقتداء بهم ثم يصلي على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم  ثم ينزل فيتهافت المسلمون على مصافحته ثم يصافح بعضهم بعضاً ويخرجون من الباب الثاني ويمشون من الطريق الأخرى التي لم يأتوا منها فيسيرون زرافات .
مدينة الألعاب
وقد امتلأت الشوارع بالأولاد الذين ينتظرون آباءهم ليتناولوا ((العيدية)) ينفقونها في مدينة الألعاب التي تقام في بعض ميادين البلد طيلة أيام العيد فلا يرجعون إلى بيوتهم إلا للواجبات وتناول ((العيدية)) من الأعمام والأخوال.
زيارة القبور
أما الكبار فيستمرون في سيرهم إلى المقابر إن لم يزوروها قبل الصلاة تلك السنة الحكيمة التي سنت للعيد للحد من شموخ النفس بتذكر الأموات ومواساة المفجوعين بأقاربهم قبل العيد, تلك السنة الحكيمة التي تجعل من العيد أكبر موعظة .

التزاور والتصافي

ويخرج ذوو الأرحام من بيوتهم ويطوفون على أقاربهم وقريباتهم يزورونهم وينفحونهم ببعض النقود ((العيدية )) التي ينتظرها من اعتادها كل عيد لتنفق في قضاء الحاجات الخصوصية, فيساعد بذلك مثلاً الزوج المعسر وتتباهى الزوجة أمام زوجها, وهو بدوره يقدم الحلوى لأصهاره مصافحاً هاشاً باشاً بهذه الزيارة ما أتموا زيارة الأرحام زاروا الأصدقاء والمعارف.
وهكذا يقضون برهة العيد في تزاور وتراحم وتصافح ومصافاة فكم كان العيد سبباً في إزالة الجفاء وإحلال الوئام محل الخصام.

العيد في عهد الخلفاء

وتذكيراً بالماضي وتقليداً له لا بد من ذكر ما كان يجري في عهد الخلفاء لاسيما في العهد العباسي في بغداد, حيث كانت تقام الزينات والمهرجانات وتمد الأسمطة في قصور الخلفاء والأمراء يترأسها الخليفة بالذات وإذا كان وقت الصلاة تجاوب المؤذنون على المآذن بالتكبير والتهليل وإذا خيم الليل وسطعت الأنوار على المآذن والقصور في زوارق دجلة تروح وتغدو والناس في حبور وسرور, وإليك ما قاله البحتري للخليفة المتوكل :
أظهرت عزالملك فيه بجحفل     لجب يعز الدين فيه وينصر
خلنا الجبال تسير فيه وقد غدت    عدداً يسير بها العديد الأكبر
فالخيل تصهل والفوارس تدعي     والبيض تلمع والأسنة تزهر

أعيادنا في الماضي القريب

لقد كان العيد في بلادنا ظاهرة ممتازة وهي الميدان الذي يقام آخر كل نهار لتباري الفرسان على الجياد العربية يحيط بهم المتفرجون من مختلف الطبقات يعتزون بفرسانهم فيقضون الأصل ثم يعودون لبيوتهم يقضون السهرة في فرح ومرح يقيمون الحفلات الساهرة البريئة التي يتجول فيها المنشدون يتناولون العيدية من الأكابر أصحاب الدواوين والقصور التي كان لها أثرها في العزة القومية والإستقلال الداخلي والتي كانت رمز عزة البلاد المحلية في عهد كان فيه غيرها في ذل وانكسار ومقت  وشنار .
خطورة العيد
يتصور الجهلة أن العيد انفلات من الطاعة إلى المعاصي والفسوق واحتساء الكؤوس والقيام بالعربدات والمشاجرات طيلة أيام العديد كأن العيد إنما جعل للخروج على الآداب والتمادي في الرذائل والغوايات التي تنتج عنها المآسي . ولا يخجل بعض الشباب من التردد على الشوارع ومدينة الألعاب يضايقون الأوانس والسيدات والأولاد والفتيات مما يوجب على شرطة الآداب أن تنشط فتؤدب مثل هؤلاء الذين يعكرون صفو العيد.
عيد العقلاء
أما العقلاء فيتخذون من العيد أكبر فرصة للتسامي فإلى جانب تفقد الأرحام والمعارف والأصدقاء يعملون على التفسح والانفراد في بعض الأماكن الخالية منفردين أو يصطحبون بعض الناس, وهناك يعقدون المؤتمرات النفسية أو التهذيبية ينسقون أعمالهم الماضية التي على ضوئها يخططون خطط التسامي والعمل الرشيد الذي منه مدوامة قراءة القرآن مع التفهم والإمعان كما كان يفعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم. ومنها أيضاً الاستمرار في تفقد الفقراء والمحتاجين. ومواصلة الأرحام وتجنب القيل والقال كما كانت الحال في رمضان إلى غير ذلك من الأعمال الرشيدة التي تضمن التقوى والصلاح وحسن السيرة وإصلاح السريرة والوصول إلى الرغائب التي ترضي الطموح وتوصل إلى الغايات بالطرق المشروعة , والله يهدي إلى السبيل.
نقلاً عن مجلة التمدن الإسلامي الأجزاء 29-32 من المجلد 32 شعبان1385هـ 1965م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين