الدراما التجارية في رمضان - التلفزيون وبرامجه في رمضان
الدراما التجارية في رمضان
______________________________________
بهي أنت يا رمضان في تلك النفخات الروحانية التي تغمر أعطاف الكون حين تهل علينا في كل عام مباركاً ومقدساً من الله عز وجل الذي اصطفاك من بين كل الشهور.     
وأرسلك إلينا لتكون مدارس إيمان وتقى وجوامع نور ونقاء ومنارات من هدى وصبر وكل ما يؤكد للإنسان أن الهداية تبدأ من الذات ومن التماهي التام مع آيات الوجدان حيث لا رقيب مباشر ولا حسيب من لحم ودم إلا ذاك النور الشفاف الذي يعبره المرء بلا رياء أو نفاق للاتصال مع خالقه تعإلى لا يروم إلا وجهه الكريم بعيداً بعيداً عن أي عدسات قد ترصد حركاته وتسجل عليه أصغر أفعاله وتصرفاته بل وبمنأى تام عن سطوة بعض أهل البطش ممن قد يحسبون على فلان تعداد أنفاسه واهتزازات رموشه وأهدابه..
فلا حدود في لقاء الإنسان مع ربه إلا كما ذكرت هي حال من انصهار روحاني ووجداني تهيب به ألا يأكل أو يشرب من بزوغ الفجر وحتى غياب الشمس وألا يكذب أو يسرق أو يعبث بالميزان ويغش في الأسعار وذلك خاصة في الموسم الرمضاني بما يأخذه إلى جنان الارتياح لما ينساح في نفسه من عذوبة الأمان وهناءة الاطمئنان ونسائم الرضى والسلام لأنه هو من يملك ذاته وتصرفاتها وهو فقط الأمين عليها والمؤتمن على أداءاتها التقية والنقية وهو من يقف جاهزاً في صمت معلناً التسليم عن قناعة بمواثيق الإيمان وكل ما حضنا عليه الله عز وجل من أجل تنظيم شؤون البشر والارتقاء بهم إلى المراتب الإنسانية الحقة بعيداً عن الضلال والكفر..
وأتابع القول بأني يا أيها الرمضان البهي والرضي أخشى عليك اليوم من بعض «المتجرين» أن يضلوا عن مكارمك وأن يضللوا الآخرين عن طهر مناسكك وأخشى أن تأخذهم منافعهم المادية عن قداساتك الروحانية وذلك بدءاً من البقال وبائع الخضراوات ووصولاً إلى تجار الدراميات فيسيرون مع أهوائهم الذاتية وأنت الكريم بكل ما تحمله في حقائبك من بشر وخير ومن فضائل وشعائر تدعو الإنسان إلى الاهتمام بأخيه الإنسان والعناية بخمائل التواصل مع الرحمن وخاصة في شهر رمضان الذي جاء ليعلم الجميع دروساً في الصبر.. في الإيمان في الإحساس العميق بالآخرين لاسيما أن جاع أحدهم وضاعت منه لقمة الحياة وذلك بما يدفع عنه غوائل الفقر والعوز والهوان فينصره في جسده الواهن الهزيل وفي روحه البائسة الهائمة التي تبحث عن مخارج النجاة والتي لا تجد ذلك إلا في التعاون والمؤاخاة.. ‏
اليوم يا أيها الرمضان البهي والرضي أخشى أن يحاول البعض استغلال خصالك ومباهيك للوصول إلى ما يرومون ويبتغون وأنهم سيبادرون وأمام العيون التواقة المشتاقة لقدومك إلى الادعاء بأنهم سيدخلون البهجة إلى أرواح الصائمين الذين يعيشون في صيامهم أمل التوبة والهداية والفلاح.. والأمثلة يا رمضان كثيرة سأورد ملامح عن البعض منها.. وفي لقاءات أخرى سيكون التفصيل.. ‏
منذ شهر تقريباً والقنوات الفضائية تتسابق في نشر الإعلانات وترويج الدعايات عن المسلسلات الرمضانية التي راحت تعلن بنفسها عن نفسها بأن الغايات من أعمالها تجارية محضة وأقول: إن كانت التجارة عملاً مشروعاً فالأعمال التي تدخل حلبة السباق قد لا تكون كذلك من ناحية الأفكار المطروحة والزحام المجنون بكل ما يمكن لهذه القنوات ان تقدمه من حكايا وفنون.. والمعلوم أن للإنسان قدرة معينة وزمن محسوب للجلوس أمام شاشة (التلفزيون) وأن الأيام الرمضانية قصيرة لما تأخذه من الإنسان من اهتمام على كل الصعد والاتجاهات وهنا يكبر السؤال: فلماذا إذاً كل هذه المنافسات وهل هذه العروض الرمضانية هي لأجل «رمضان الخير» أم لأن أسعار العروض الأولى هي الأدسم والأغنى؟!.. ‏
وأتابع بكل حيادية وإصرار بأن الأعوام القليلة السابقة شهدت إقبالاً شعبياً عربياً على أعمال البيئة الشامية التي أفرزها المخرج «بسام الملا» وذلك لما احتضنته من وجدانيات تتناسب مع حنين الناس في هذه الأيام إلى مثل تلك الجزئيات وتتواءم أيضاً مع طبيعة المواسم الرمضانية التي تفجر داخل الإنسان الصائم ينابيع من التقى وأطياف من الصفاء واحتياجات نفسية بليغة المعنى إلى التواصل مع كل ما هو نبيل وانساني وجميل.. ‏
أما المهم في الحكاية فهو أن حالة التنافس الدرامي الرمضاني راحت تأخذ مناحي متخمة بالأنانية والاستهتار برأي المشاهد حيث نجد أن النمطية والتقليد أصبح كل منهما شائعاً ورائجاً.. وإن كانت الأعمال البيئية محببة وإن كان مسلسل «باب الحارة» قد استقطب العديد العديد من المشاهدين فما علينا إذاً إلا أن نفتح أبواباً وأبواباً تحمل المضمون نفسه والراوي نفسه والممثلين لا بل الأماكن والمنازل نفسهما, فيوم يتم تصوير ذات المسلسل في بيت (...) وفي اليوم الذي يليه يأتي تصوير المشاهد الأخرى للمسلسل الآخر في البيت ذاته وبين تفاصيل الديكور نفسه والأهم من هذا أن الاعلان عن هذا المسلسل الشبيه للمسلسل الآخر قد يتم بطريقة إبهارية وإخبارية فيها مؤتمرات صحفية واسقاطات على مدى النجاح الذي يحققه هذا العمل قبيل عرضه فهل يعقل؟!!.
 ‏ فيا أيها الرمضان البهي والرضي.. عذراً من كل لا يجد نفسه إلا وسط دوامة إناس اختاروا الدراما الرمضانية لتحقيق مكاسب أكبر دون الانتباه قط إلى ذهنية وفكر المشاهد ودون النظر بعين المسؤولية الوجدانية في ماهية أعمالهم وفي حالة الملل التي تفرض قسرياً على صائمي رمضان نتيجة التكرار وكثافة العروض التجارية حتى بوجوه الممثلين أنفسهم الذين ينتقلون من شاشة إلى أخرى ومن مسلسل إلى آخر وهم يحملون التفاصيل ذاتها والحوارات عينها وخاصة في سلسلة الأعمال الشامية ولا أدري؟!! لكنني أدري تماماً أن هناك تفاصيل كثيرة واحتجاجات كبيرة على ما يجري في الساحة الدرامية من إرهاصات لا يجوز منعها هدر هذه الدراما دون الأخذ بعين الاعتبار بخصوصية شهر رمضان ووعي المشاهدين الكرام.. ‏ ‏  
دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الثلاثاء 25 آب 2009
عفاف يحيى الشب

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين