تعجيل الفطور - السنة تعجيل الفطور
تعجيل الفطور
الشيخ : أحمد الشريف النعسان

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
مقدمة الدرس:
فمن آداب الصائم تعجيل الفطور متى تحقَّق غروب الشمس, وذلك لما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ).
ولما روى أبو يعلى وابن خزيمة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ صَلَّى صَلاَةَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ).
متى يفطر الصائم؟
والسؤال: متى يفطر الصائم؟ الجواب: يفطر الصائم إذا غابت الشمس من مغربها, وطلع الليل من المشرق, وذلك لما روى البخاري ومسلم عنْ عُمر بنِ الخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ، قالَ: قال رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ( إِذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هاهُنَا وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هاهُنا، وغَرَبتِ الشَّمسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصائمُ).
ويروي كذلك البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ, فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْسُ قَالَ: يَا فُلانُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا, قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا, قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا, قَالَ: فَنَزَلَ فَجَدَحَ, فَأَتَاهُ بِهِ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ: إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا, وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا, فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ).
وفي رواية أبي داود قال: (فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: يَا بِلالُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا, قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ؟ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا, قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا, قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا, فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا, فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ, وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ).
قال الحافظ في الفتح: قوله: (فَاجْدَحْ لَنَا) أي حَرِّكْ السَّوِيق بِعُودِ لِيَذُوبَ فِي الْمَاء.
فوائد تعجيل الفطور:
فمن السنة تعجيل الفطور إذا تيقَّن الصائم من مغيب الشمس, ولتعجيل الفطور فوائد منها:
أولاً: فيه إحياء سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم:
روى الطبراني في الكبير بسند صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ الإِفْطَارَ، وَأَنْ نُؤَخِّرَ السَّحُورَ، وَأَنْ نَضْرِبَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شمائِلِنا في الصَّلاة).
وفي رواية عن مالك بن أنس رحمه الله : أنه سمع عبد الكريم بن أبي المخارق يقول: (مِنْ  عَمَلِ النبوةِ: تعجيلُ الفِطرِ، والاستيناءُ بالسَّحورِ). الاستيناء: هو التأنِّي والتأخير.
وروى الإمام مسلم عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: (دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ: رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلاهُمَا لا يَأْلُو عَنْ الْخَيْرِ, أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ, وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ, فَقَالَتْ: مَنْ يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ, فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ).
وروى ابن حبان في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم).
ثانياً: المعجِّل بالفطور محبوب عند الله عز وجل:
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا).
وروى الطبراني عن يَعْلِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثَةٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ, وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ, وَضَرْبُ الْيَدَيْنِ أَحَدِهِمَا بِالأُخْرَى فِي الصَّلاةِ).
ثالثاً: بتعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب:
روى أبو داود وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ, لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ).
فيما يفطر عليه:
ويستحب أن يكون الفطر على رُطَبَات, فإن لم توجد فعلى تمر, فإن لم يوجد فعلى الماء, وهذا ما كان يفعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما جاء في سنن أبي داود عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ).
وروى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ, وَمَنْ لا فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ, فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ).
وفي رواية عن سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ, فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ, فَإِنَّهُ طَهُورٌ).
ويستحب أن يكون فطره على ثلاث تمرات, لما روى أبو يعلى قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار).
ولقد ثبت طبياً: بأن الفطر على رطب أو تمر أو ماء يحقق أمرين اثنين:
1ـ دفع الجوع والعطش.
2ـ تستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية بسرعة كبيرة, كما يحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف مما يقي من الإمساك, ويعطي الإنسان شعوراً بالامتلاء, فلا يكثر الصائم من تناول مختلف أنواع الطعام.
وأخيراً من آداب تعجيل الفطور الدعاء بعد الفطور:
فإذا أفطر الصائم فإنه يسنَّ له الدعاء بعد فطره, لما روى ابن ماجه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ).
ويستحب للصائم بعد فطره أن يدعو الله تعالى بما دعا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) رواه أبو داود.
وفي رواية عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ).
أسأل الله عز وجل أن يوفِّقنا لإحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وأن يتقبَّل منا الصلاة والصيام والقيام, وأن يجعلنا من عتقاء شهر رمضان, وأن يدخلنا الجنة من باب الريان, مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين