وثيقة طالبان وبداية التفكير الصحيح - طالبان وأفغانستان

وثيقة طالبان وبداية التفكير الصحيح
بقلم: محمد يحيى

أصدرت حركةُ (طالبان) الأفغانية وثيقةً هامة لتنظيم عمل ونشاط الحركة في الفترة المقبلة، وهي تشبه الدستور الذي يضبط حركة ونشاط أي دولة.
ولم تحظ هذه الوثيقة بالاهتمام الكافي من وسائل الإعلام، ولكنها أخذت حقها من الاهتمام في دوائر الأمن، ودهاليز السياسة العالمية.
وأزعم أن هذه الوثيقة بداية للتفكير بطريقة جديدة بالنسبة للحركة، يغلب عليها الجانب العقلاني الذي يفسح مساحة أكبر للمصالح العامة، وينأى عن النزعة المثالية العاطفية الأحادية التي تحكم عقلية طالبان.
وقد يكون سبب إصدار هذه الوثيقة سبباً قدريّاً محضاً، ولا علاقة له بأي متغيّر على الساحة دوليّاً أو إقليميّاً.
ولكن هذه الفرضية مُفرِطة في السذاجة, لأن طالبان حتى وإن كانت شديدة الانغلاق والاستعلاء، إلا أنها تعرف ماذا ومتى تتكلم.
والتجارب المريرة التي مرّت بها أنضجتها بشكل كبير، وقد نرى في المستقبل القريب (طالبان) أخرى غير التي نعرفها من قبل.
أما عن المتغيرات التي صاحبت إصدار هذه الوثيقة، فنرى أمرين هامين:
أولاً: الانتصارات الواضحة التي تُحرزها (طالبان) على القوات الغربية في أفغانستان. فلأول مرة تستطيع أسر جندي أمريكي ظهر على شريط فيديو، وهو يتوسل إلى الإدارة الأمريكية أن ترحل من أفغانستان.
وهذه الانتصارات وصلت إلى حد تحرك مسلحي (طالبان) بسهولة وحرية في ضواحي كابل. فكأنها تقول للعالم: نحن نسيطر على الأرض، وفى نفس الوقت نسيطر على رجالنا، وكوادرنا، فلا عشوائية، ولا انفلات بعد اليوم.
ثانياً: الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أفغانستان في الأيام القليلة المقبلة، فكأن الحركة تقول للشعب الأفغاني إن الأجدر بتنظيم الانتخابات، هو الذي يسيطر بقوة السلاح على 70% من أفغانستان، لا الذي أتى به الاحتلال من حواري (واشنطن)، وفنادق (نيويورك) ليعمل في وظيفة محلل لجرائم يندى لها الجبين، ويشيب لها الولدان.
وثيقة طالبان احتوت على فصول ومواد تضبط مسيرة الجماعة فقهياً وتنظيمياً، غير أن أهم ما يمكن الإشارة إليه هو المادة التي تقيّد قتل الأسرى والرهائن، حيث تشترط لذلك موافقة الأمير أو نائبه فقط.
وهذا تَقدُّمٌ نوعيٌّ كبيرٌ في فقه القتل عند (طالبان) الذي كان مباحاً أو مستحبّاً لكل من ينتمي إلى الحركة مهما كان سنّه أو علمه أو مكانته.
ومن نافلة القول أن هناك فرقاً كبيراً بين الرهائن والأسرى، فالرهائن يُختطفون من قارعة الطريق، أو من وسائل المواصلات، أو حتى من بيوتهم، وقد لا يكون لأغلبهم صلة بالحرب أو السياسة، كل ما هنالك أنهم يحملون جنسية دولة مُحارِبة (لطالبان).
وفقه الرهائن فيه كثير من اللغط، وعدم الوضوح، والالتباس قديماً وحديثاً، وهو أقرب للسياسة الشرعية منه إلى الفقه.
أما الأسرى -وهم الجنود المحاربون الذين يقعون في الأسر أثناء الحرب- فهؤلاء لا غموض ولا التباس في فقههم وكيفية التعامل معهم، وأمرهم موكول إلى الحاكم، إن شاء قتل وإن شاء افتدى بمال أو أسر، وإن شاء منَّ عليهم، وإن كانت القوانين الدولية تحرم قتل الأسرى.
ولم تنسَ حركة (طالبان) التأكيد على شرعية الرؤية الجديدة لها، وأنها مستمدة من الشرع الشريف، وتستند إلى الأدلة الصحيحة. وهذا فهم جديد، وقراءة أكثر نضجاً للأدلة، فالذي تغير هو الفهم والوعي لا الأدلة الشرعية
مجلة الأمان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين