ترغيب أم ترهيب يا رمضان - الدعوة والدعاة
ترغيب أم ترهيب يا رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفت طويلا أمام سؤال حيرني ليقول., يا ترى من هو الذي سيحاسب عن الإساءة للدعوة حينما نرى في واقعنا دعاة  قد أصبحوا منَفِّرين لا جذابين ولا مقربين . وتساءلت طويلا , يا رب من الذي سيحاسب عن ذلك .
 أليس من مَهمتنا أيها الإخوة هي إيصال الدعوة بهيئة أرقى وأحلى من تغليف هدية من حبيب لحبيبه أو حتى لحبيبته إن جاز التعبير. وإلا فربما عدم الكلام أفضل من الكلام مع التنفير , وربما كان ذلك وبالا على الداعية أكثر من أن يكون له أجرا . ونرى ذلك جليا أكثر في رمضان , حين تبدأ تيارات الدعوة من أصناف متعددة لتشن حملات تخويف  من الذنوب والمعاصي , ولتجميع كل آيات الوعيد والترهيب في القرآن والسنة  ليتم سردها على المقبل في رمضان لنزيده تخويفا وربما بعد ذلك لنساعده على البعد عن الدين . لماذا ؟ أما تكفل الله تعالى بصفد الشياطين من البداية . وحتى في صلواتنا أما نحتاج لتكرير آيات البِشر والترغيب , ليس من باب تحريم تكرار الآيات الأخرى , لكن القرآن ليس سِفْراً يرتَّل فحسب وإنما حياة نتبادلها معه.
ولماذا كان الأذان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتُرط فيه الصوت الندي , والذي يسبح ويهلل مع المؤذن من الجمادات والمخلوقات لهو أكثر من المسلمين المرددين معه , إلا لأن الطبيعة أيضا تتناغم معه وليس الإنسان وحده, والأذان هو المقدمة للصلاة والدعوة , وبذلك يصبح من مستلزمات ما بعده أن تكون طريقة عرضه أجمل من النداء له.
ونعجب عندما نقرأ في دراسة من دراسات العلماء المهتمين بتنمية الشخصية بأن الإنسان يحتاج أن يعانق أربع مرات في اليوم على الأقل , ليزيد من الراحة والسعادة الداخلية قبل أن يكون متأثرا وقبل أن يكون مؤثرا في خطابه مع من حوله , ومن الأَولى أن يأخذ الدعاة دورة في هذا المجال , حتى يعانق قلوب من حوله ببسمته وومضته ولحظات عيونه لتصل الرسالة قبل الكلمة , فتكون الكلمة بعد ذلك مكملة لأساس الرسالة مثبتة لها في قلب السامع .  لقد آن لنا أن نخرج من سجن العادات في عباداتنا , فلحظات الخشوع في صلاة الظهر ليس كالعصر والآية التي نقرأها في صلاتنا ربما نستشف عند تكرارها في الصلاة الأخرى معان أعمق , وكل جوانب ديننا مُصلحة متجددة مناسبة لكل زمان , ومن قصر عنه شهود المعنى فالعيب فيه , لأنه لم يواكب حضارة الإسلام التي لا ينتهي فيها الإبداع ولا تجف فيه موارد المعاني.  إن العقيدة الحقة ليست في تكرار وحفظ أنواع التوحيد الثلاثة , وليست في الاهتمام المفرط بما يخل بالعقيدة من شرك وبدع (وهذا ما اهتم به بعض الدعاة في تذكير الناس بالعقيدة في مواسم الخير خوفا من بطلان أعمالهم) , وإنما هي شهود الذات الإنسانية لمصدر طاقتها وهو الخالق تعالى والاستمداد من هذا المصدر أكبر قدر ممكن من هذه الطاقة ليشهد الإنسان أنه ليس عبثا وليس محتقرا وإنما هو قوة خلقت للخلافة في الأرض لينشئ فيها حضارة جمال وحضارة سلام , ومن ذلك تكون دعوته للإسلام .
لابد لنا أن نغير منهجية قراءتنا لسيرة حبيبنا صلى الله عليه وسلم في الدعوة وسير الصحابة والتابعين , لأننا دائما لا نقرأ سوى النتائج , ونحن أحوج إلى قراءة أسرار ما وراءها .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين