لَيَستخلِفَنَّهم في الأَرض

 

تفتح الرؤى الإيمانية والبشارات الربانية نوافذ كثيرة على عالم المستقبل، فتحضر أحداثه في الأذهان كأنها واقعة مشاهدة، لتقرر نتائج الصراع بين الحق وجنده وأنصاره والباطل وجنده وأنصاره وجماهيره، وتبشّر الجماعة المؤمنة بالنصر مقترنًا بأسبابه وشروطه.

هذه الغيبيّات التي رُسِمت طرقها وحُدِّدت مفاتيحها وقُرِّرت نتائجها تُلقي الراحة في النفوس المؤمنة المتيقنة بموعود الله، فتمحو عنها آثار الانهزامية التي لا تعرف من الحرب غير الرايات البيضاء، وتتحصن من أقوال المنافقين، وتُبعد عنها كيد سحرة فراعين العصر ووسائل إعلامهم التي تقدم كل ما لديها من غربان ومحللين وأبواق ومهرجين ومذيعات عاريات في سبيل حرف مسار الحق والتشغيب عليه والتشويش.

إن غاية وعود الله سبحانه وتعالى هي العمل والجهاد والصبر، لا الجلوس في المقاهي والغرق في الأحلام والتخيلات أو انتظار الكرامات والمعجزات، ولذلك فإنها تعد محركات المشروع الإيماني، واليد التي تدفع أهل الحق إلى التمسك بمنهجهم مهما اشتد البلاء وطالت سني التمحيص، وتدفعهم إلى مواجهة الباطل بجميع الوسائل المتاحة مهما اشتدت قوته وكثرت أنصاره ودعمته مشايخ الفضائيات، وتحثهم على الصبر والمصابرة والبذل وإن وصل البذل إلى دمائهم ونفوسهم.

فعندما تسمع الجماعة المؤمنة قول الله تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” تنفض عنها آثار التبعية وتقطع صلتها بالمُموّل الذي يدعي أنه ربها ويريد أن يتحكم بدولاراته بها، وتصل نفسها بحبل الله، وترفض عروض أعدائها المغرية وتُقبل على موعود ربها، وتُحَطِّم هيبة الأصنام البشرية التي تدَّعي أن مفاتيح الحلول بيديها وحدها، فتزول بذلك الضغوطات عن أهل الإيمان وتحترق عقود العمالة ويُفتح الطريق للجهاد الحق.

فثمة فارق كبير بين من يتيقن بموعود ربه ونصره وتمكينه فيعمل واثقًا مطمئنًا متحررًا من أغلال المناهج الفاسدة، وبين من يعيش على وعود المجتمع الدولي ومجلس الأمن وقتلة المسلمين وعلى وعود أمريكا وربائبها من العرب فيشعر بسلطان الباطل عليه، وتغره كثرة عدده وعتاده، فلا يتحرك إلا بإشارة منه وإن قطع الباطل دعمه عنه تهاوى مشروعه وانقطعت أنفاسه وسقط ميتا!

فالنصر إذًا فكرة حاضرة في التصور الإسلامي لا تغيب، وقد يغيب النصر أو يخفى على من يتعلق بالماديات ويقيسه بالكيلو مترات، وربما يقول قائل: إن هذه الأمة ستبقى مغلوبة إلى يوم القيامة.وذلك لأن مسيرة الحق لا تخلو من العثرات ولا بد أن تصيبها سنوات القحط والشدة قبل الظفر والتمكين، ولكن المطمئن أن سنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول هي غلبة الفئة المؤمنة التي تحقق صفة الإيمان فيها على الوجه الذي يريده من بيده النصر.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين