ارحمنا يا مسحراتي - المسحراتي
ارحمنا يا "مسحراتي"!
بقلم: يحيى كريدية
      طفح الكيل! وبلغ السيلُ الزُبى! سأصرخ  هذا العام وأقول بأعلى صوتي: ارحمنا يا "مسحّراتي"! وها أنا أقولها قبل أن يدخل شهر رمضان، متمنياً أن لا يصدر مني ما لا يُحمد عُقباه أثناء وبعد رمضان، فأضيّعُ بذلك على نفسي أجر الشهر وثوابه!
منذ الطفولة وأنا أحبّ شهر رمضان بكل ما له من خصوصيات، وخاصة "المسحّراتي"، الذي يُعرف أيضاً بـ "أبي طبلة" أو"الطبّال"، فلقد كنّا ننتظره على الشرفة لنُكحّل عيوننا برؤيته ونشنّف أسماعنا لطبلته التي يأتي صداها من بعيد ثم يقترب شيئاً فشيئاً، بينما تصدح حنجرتُه القويّة بذلك النشيد الساحر: (يا نايم وحِّد الدايم.. قوموا على سحوركم..إجا رمضان يزوركم!!). هذا في المدينة..أما في الريف فقد كان يقرع على أبواب الناس يَذْكُرُهم بأسمائهم: (أبو فلان يلا قوم على سحورك!).
      إذا كانت تلك ذكرياتي الجميلة مع "المسحّراتي"، فلِم هذه الحرب الشعواء التي أشنّها عليه الآن؟ الجواب وبكل صراحة: لأن المسحراتي أخذ يؤرّقني ويُتلفُ أعصابي وحوّل ليالي رمضان – بالنسبة لي - إلى مأساة لا يَسَعني بعد اليوم أن أسكت عنها، وكيف لي أن أسكت وقد بلغ السيُل الزُبى، وإليكم البيان:
  أولاً: المقصد الأساس لوجود المسحراتي هو إيقاظ الناس لفترة السَّحر كي يتناولوا سحورهم ويدركوا شيئاً من قيام الليل، وعلى الرغم من وجهة نظر البعض بعدم ضرورة هذه المهنة في هذا الزمان لوجود أجهزة التنبيه المعاصرة، إلا أنه يبقى "للمسحراتي" وطبلته رهجة ووقع في النفوس..أمّا أن يأتي المسحراتي لإيقاظ الناس قبل أن يذهب هو للنوم ـ أي قبل ساعات من وقت السَّحَر ـ فهذا أمر لا يُطاق. وهذا هو اعتراضي الأول ولهذا كانت صرختي.. فصنيعُه هذا يؤذي الناس، ويُعطّل عليهم برنامجهم الرمضاني، ويقلبُ ليلَهم نهاراً ونهارَهم ليلاً، فلا قياماً يُدركون ولا صياماً يطيقون، بل على وجوههم في النهار يهيمون وهم مرهقون مُتعبُون، وكله بسبب هذا الأخ الذي اختار الوقت الذي يناسبُه هو لإيقاظ الناس لا الوقت المطلوب والمناسب بحقّ.
  ثانياً: غالباً ما أتساءل عن مدى شرعية بعض العبارات التي يتفوّه بها "المسحّراتي"، فأحياناً يتفوّه بما هو غير جائز من العبارات، وإن كان قصده حسن إلا أنها مخالفة للشرع، وتراه يُنغّمها ويمطّطها من غير أن يلتفت لما يقول.. ولو جئتَ تُفهّمه لتمنّيت أنكَ لم تفعل..لأنك ستجد صورة "المسحراتي" التي رسمتَها في ذهنك أيام الطفولة قد انقلبت رأساً على عقب!! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
  ثالثاً: يأتي "المسحراتي" أوّل أيام العيد – بعد كلّ ما سبق ذِكْرُه - ليُحرجكَ أمام خلقِ الله تعالى وهو يناديك باسمك: (يا أبا فلان..كل عام وأنت بخير!!)، يريد بذلك أن تجود عليه بسخاء.. فهو قد.. قد.. قام بواجبه تجاهك طوال ليالي شهر رمضان.. ولم يفوّت عليك أجر السحور والقيام! فادفع بالتي هي أحسن!
 
أرجوك يا "أبا طبلة"! أرجوك ارحمنا ولا تُنغّص علينا هذا الشهر المبارك الذي ننتظره بفارغ الصبر.. نصيحتي لك.. بعد الترجّي.. أن تلتقي بعالِمٍ أو شيخٍ فاضلٍ بأسرع وقت – قبل رمضان – لتسأله عن "أحكام التطبيل" وكيف ومتى وماذا تقول هذا العام!!..لتنال أنت الأجر والأُجرة.. ونَنْعم نحن برمضان من غير منغّصات.
 
ملحوظة: أرجو إيصال هذه الورقة لمسحّراتي منطقتكم أو أن تقرؤوها عليه، ولكم الأجر والثواب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين