خواطر وسوانح ـ1ـ - صيد الكلم
شوك
يقول المقدسي : "كثيرا ً ما ساءلت نفسي عن حكمة الشوك ذاك الذي تناثر على سوق الورد ! لم يرق لي كثيرا ً فلسفة المنهزمين حين صَوَّروا تلك الأشواك على أنها حِراب تدفع بها الوردة عن نفسها غوائل الزمان ... تركت هذه الفلسفة خلف ظهري على شفير قبرها ورحت من بعد سير طويل أجوب زقاق الفكرة الدقيقة حتى وقفت على فلسفة لم يُكشف عنها الغطاء بعد ..
 يا صاح إن السعادة شجرة ٌ سامقة في القلب تهتز كلما هبت عليها نسمات الذكريات السعيدة ، وهي ما تزال على اهتزازها تنثر السرور على من تـُظِلُّ ما بقيت تلك النسائم بالهبوب ، ولكنها وإن طالت في اهتزازها لا بدَّ وأن يأتي عليها أيام ٌ تسكن فيها فيسكن السرور معها كأن شيئا ً لم يكن..
 ولا يبقى في القلب منقوشا ً إلا ذكرى تلك الأحزان التي تنحتها الدموع التي تسيل من مآقي الآلام التي نحسها تنهش قلوبنا بالأوجاع والأرزاء ، وهكذا تفعل الوردة الجميلة التي لا يقنعها أن تعلق في أذهان من يراها كنسمة فرح عابرة تزول إذا زالت العين عنها ، بل تريد أن تسكن القلب بوخزة ألم ٍ تستقر وتأبى عليها الأيام الذهاب ...
 ومن هنا جاءت رقة الوردة وطيب عطرها لتخلق في القلب الذكرى وجاء الشوك ليبقى هذه الذكرى ! إن الإنسان لا يذكِّر حتى يتألم ... فالألم أفيون الذكرى.  
ألم
يقول المقدسي : " من أجلِّ نعم الله علينا .. الألم .. لأنه به يعرف الغافل ربه فيؤوب إليه ... والألم للعارف نعمة أجل منها على الغافل لأنه به يدرك كيف تجري حكمة الله في تصريف الأمور فتطمئن نفسه وتسكن روحه ويفرش عليه السرور ثوبه."

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين