ألا تحب أن تكون داعية؟! - كلمة داعية

ألا تحب أن تكون داعية ؟!
بقلم: محمد عادل فارس
كلمة " داعية " كلمة محبوبة جذابة ، يتمنى كثير من المؤمنين أن يوصفوا بها . لكنها كذلك كلمة غامضة الدلالة عند بعض الناس ، فمنهم من يتهيّبها ولا يرى أن التحقق بها ممكن ، ومنهم من يستهين بها ، ولا يراها جديرة بالاهتمام .
إنها مرتقى عالٍ ، وإنها ليسيرةٌ على من يسّرها الله عليه .
وخطابنا هنا للداعية ، ومن يريد أن يكون داعية ، من ذكر أو أنثى .
ونقدّم للموضوع بمقدمتين :
الأولى : من صفات الداعية ما هو فطري أو موروث ، ومنها ما هو مكتسب بالجد ورياضة النفس . وكما هو الشأن في عدد من القدرات البشرية تُسلَّط الأضواء أحياناً على الجانب الموروث حتى يظن الناس أنّ من لم يكن مهيّأً لهذا الوصف فلا أمل له في التحقق به ، أو يسلط الضوء على الجانب الكسبي حتى يُظَنَّ أن في مقدور كل إنسان أن يحصّله .
وإذا أدركنا أن الدعوة تكون بالقول تارة ، وبالحال والفعل تارة أخرى ، وبالجمع بين الجانبين في أكثر الأحيان ... استطعنا أن نستنتج أن معظم الناس يستطيعون – إذا جَدُّوا – أن يصبحوا دعاةً ، مهما كان رصيدهم الفطري متواضعاً ، وذلك بأن يختاروا الجانب الدعوي الذي يناسب استعداداتهم وقدراتهم وظروف معيشتهم ... ويبقى أمام الموهوبين مجالات أرحب .
الثانية : مقوّمات الشخصية الدعوية كثيرة ، منها العلم والثقافة ، ومنها الاستقامة السلوكية ، ومنها الفيوضات الروحانية ، ومنها إتقان فن التعامل مع الآخرين .
وقد تزيد أهمية إحدى الصفات في ظرف معين ، وتنقص في ظرف آخر ، فالتعمق في العلوم الشرعية يكون مهمّاً حين يكون المدعوُّ صاحب علم شرعي ، والتزود بالثقافة العامة والسياسية ... يكون مهماً إذا كان المدعوُّ من رجال السياسة أو من مواطني الدول الغربية ، والاطلاع على كتب الفرق والمذاهب وعلم الدين المقارن تبرز أهميته لدى دعوة من ينتسب إلى تلك الملل والنِّحل ، وهكذا ...
ويبقى تحصيل الواجبات العينية من العلوم ، والالتزام بالواجبات الشرعية في السلوك ... أمراً في غاية الأهمية ، في جميع الأحوال ، يليه بعدئذ التوسع في العلوم وفنون المعرفة ، والتمسك بالسنن والآداب .
ولبيان الأهمية العظيمة لبعض الصفات نضرب المثل بداعية سجّل عليه الآخرون جهلاً فاضحاً في مسألة يعدُّونها من بدهيات المعارف ، أو داعية لوحظ عليه ضعف في أمانته المالية !!
                                ***      ***        ***
وبعد هاتين المقدمتين نريد أن نفصل في صفة تُعَدُّ من لُبِّ عمل الداعية ومقوّمات شخصيته . إنها فن التعامل مع الآخرين .

ينبغي أن يكون الداعية محبوباً ومحترماً حتى يُكتب له القبول في قلوب الناس .
يقول الله تعالى مخاطباً نبيّه صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً . وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ? . الأحزاب : 46
ويقول له أيضاً : ? ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضُّوا من حولك .. ? . آل عمران :  159
وحتى تكون محبوباً محترماً عليك أن تلتزم بمجموعة من الأخلاق والآداب ، نذكر ههنا نماذج منها :
1.    قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه  : " ثلاث تُثبت لك الودّ في صدر أخيك : أن تبدأه بالسلام ، وتوسّع له في المجلس ، وتدعوه بأحب الأسماء إليه " .
2.    تحدّث مع صاحبك بطريقة ودّية ، واعرض آراءك وموضوعاتك بدقة ووضوح ، وباعتدال بين الإيجاز المخلّ ، والإطناب المملّ .
3.    قلّل من الحديث عن نفسك ونجاحاتك ، وعن أولادك ومزاياهم ... فهذا قد يدلّ على اهتمام بالذات، قد لا يشاركك فيه الآخرون .
4.    تعرَّف إلى من تلقاه ، بالأسلوب الذي يناسبه ، حتى تدخل إلى قلبه وتُشعره بالاهتمام به ، واطرح معه الموضوعات التي تتوقع أن يهتم بها .
5.    لتكن تحيتك بنبرة حارة ، وابتسامة عريضة ، ومصافحة قوية ، ولا تدع يد مصافحك حتى يكون هو الذي يدع يدك ، ففي الجامع الصغير للسيوطي أن النبي صل الله عليه وسلم   "كان إذا ودّع رجلاً أخذ بيده فلا يدعُها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده ... " وفي سنن ابن ماجه كان النبي ? إذا لقي الرجل فكلمه ، لم يصرف وجهه عنه حتى يكون هو الذي ينصرف . وإذا صافحه لم ينزع يده من يدهِ حتى يكون هو الذي ينزعها " .
6.    انتبه إلى من تتعرف إليه وهو يقدِّم اسمه ، حتى تحفظ اسمه من المرة الأولى إن استطعت .. ثم نادِهِ بأحب الأسماء أو الكنى إليه .
7.    كلما التقيتَ صاحباً ، أو حدثته بالهاتف ، اسأله عن أحواله وصحته ... ولتكن إطالتك الحديث ، أو اختصارك بما يناسب المقام . فمثلاً اختصر في المحادثة الهاتفية أكثر مما تختصر في حديث المجلس .
8.    عندما تحدِّث صاحبك ، انظرْ في عينيه ، فتَلاقي العيون يُحْدث تفاعلاً عجيباً ، ويمكنك من فهم الآخر ، ومعرفة ردود أفعاله .
9.    تأدب بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم  الذي يرويه عنه سِبطه الحسن بن علي : " كان صلى الله عليه وسلم  يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ، ويؤلّفهم ولا ينفّرهم ، ويُكرم كريم كل قوم ويولّيه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم ، من غير أن يطوي عن أحد منهم بِشْرَه ولا خُلُقه . يتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ... وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس " .
10.    استمع إلى محدّثك باهتمام وتوجّه إلى جلسائك بالنظر . أخرج أبو نعيم في الدلائل عن أنس ? : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  من أشد الناس لطفاً ... وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه .. " .
وأخرج الترمذي في الشمائل عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُقْبل بوجهه وحديثه عليّ حتى ظننت أني خير القوم .. " وروى الإمام أحمد والضياء المقدسي :  " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  ... إذا التفت التفت جميعاً " .
11.    كن حذراً وأنت تحدّث صاحبك عن أمور تدخل في خصوصياته وخصوصيات أسرته ، فبقدر ما يستجيب لك ويتجاوب معك تجاه بعض الأمور ... تراه يشعر بالحرج ويحاول التهرب من الحديث عن أمور أخرى ... وعليك أن تراعي ذلك جيداً ، وتذكّر قول النبي صلى الله عليه وسلم  : " مِن حُسن إسلام المرء تركُه مالا يعنيه  " رواه الترمذي . وقوله صلى الله عليه وسلم  : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم .
12.    لا تقصر في أداء خدمة لمن يحتاجها ، فهي صدقة لك عند الله ، وهي مدخل لكسب القلوب . ورسول الله صلى الله عليه وسلم  يذكر لك أصنافاً من هذه الصدقات : فيما رواه الترمذي من طريق أبي ذر رضي الله عنه : " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " .
وخرّج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم  :" ... وتدُلُّ المستدلّ على حاجته ، وتسعى بشدّة ساقيك مع اللهفان المستغيث ، وتحمل بشدّة ذراعيك مع الضعيف ، فهذا كله صدقة منك على نفسك " .
13.    اجعل الابتسامة مرافقة لحديثك في معظم الأحيان . وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رضي الله عنه :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت : نذير قوم أتاهم العذاب ، فإذا ذهب عنه ذلك رأيت أطلق الناس وجهاً الناس ، وأكثرهم ضحكاً ، وأحسنهم بشراً " . لكن معظم ضحك النبي صلى الله عليه وسلم  كان تبسماً ففي مجمع الزوائد ، في وصف النبي صلى الله عليه وسلم  : " ... وإذا ضحك غضّ طرْفه ، جلُّ ضحكه التبسّم ويفترُّ عن مثل حَبِّ الغمام ... " .
14.    تجنب الظهور بمظهر الإنسان الغامض ، أو المتعالي المتكبر ، أو المتفاخر بماله أو جماله أو حسَبَه أو مكانته ، أو الخشن الفظ ... فالناس يحبون الدمث المتواضع السهل المنبسط الواضح المهذب اللطيف .
15.    احرص على المظهر النظيف الأنيق  ... من غير غلو أو مبالغة .
16.    الهدية مجلبة للمحبة . وفي الحديث " تهادوا تحابُّوا " .
17.    " ازهد بما في أيدي الناس يحبك الناس " كما جاء في الحديث .
18.    لا تكثر من العتب واللوم . وقل في نفسك : كما أنني أقصّر في حقوق الآخرين ، وأحب أن يتغاضوا عن تقصيري ، فعليّ أن أتغاضى عن تقصيرهم .
19.    خذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم  : " لا تغضب " – رواه البخاري – فالغضب يورث العداء ، ويذهب بالمحبة ، ويطيش العقول .
20.    كُفَّ لسانك إلا عن خير ، وأحسن إلى جارك وضيفك ، فهذا من مقتضيات إيمانك بالله واليوم الآخر ، وهو يفتح لك مغاليق القلوب .
اللهم اجعلنا ممن يتخلّقون بأخلاق نبيك صلى الله عليه وسلم  ، ويدْعون إلى دينك بأقوالهم وأحوالهم ، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين