وددت لو كنت أماً سعيدة - الأمومة
وددت لو كنت اماً سعيدة
بقلم إباء الدريعي

بهذه الكلمات أنهت الممثلة المعروفة (مارلين مونرو) حياتها منتحرة بعد أن وجّهت نداءً لنساء العالم: «يا نساءَ العالم، احذَرْنَ من المنتجين والمخرجين فإنهم يريدون المتاجرة بأجسادكن»... وكان آخر وصيتها ندمٌ على حياتها بالرغم ممّا وصلت إليه من الشهرة والمالِ والنجومية، فقالت قَوْلتها اليائسة: «وَدِدت لو كنتُ أمّاً سعيدة».  
نعم، إنها الفطرة والمَطْلب لكل نساء العالم: الأمومة... لتحصل على السعادة. إنّ هذه المقولة جديرةٌ أن تتعمق فيها كل النساء وعلى الأخص المرأة المسلمة التي أعزَّها الله وأكرمها وطهّرها وأعطاها في منظومة الإسلام المتكاملة احتراماً وتقديراً لا لجمال جسدها وبهاء وجهها ولكن لكونها نصف الحياة، فهي الأم والبنت والأخت والزوجة. وكلما ازدادت سِنّاً، زاد التكريم في حقِّها.

فها هو النبي صلى الله عليه وسلّم يُوصي رجلاً بوالدته قائلاً: «الْزَم رجلها فثمَّ الجنة».
فهل هناك تكريم بعد هذا التكريم؟

وأما ما نشاهده اليوم في مجتمعاتنا وفي منظور العولمة المزعومة من أنه: لا يمكن للمرأة أن تكون مكرّمة إلا إذا كانت جميلة وضمن معايير وَضَعَها المتاجرون بجسدها ليحظَوْا بالكثير الكثير من الفائدة والأرباح الطائلة بل الخيالية. وأقنَعوا كل أنثى أن عليها - لتستحق الاحترام - أن تكون جميلة الجسد فقط.

لا أحد ينكر أن الجمال هبة من الله تعالى، ولا أحد يمكنهُ أن ينظر إلى الجمال بازدراء. ولكن أن يصبح الجمال هو المحور والمدار، بل يصبح هو القيمة التي تُقاس بها المرأة؛ فهذا والله منتهى الإذلال والانحطاط! وهذا الذي يجب أن تتمرد عليه المرأة بعنف، رافضة هذا الواقع العجيب الذي يمنحها الاحترام لفترة وجيزة فقط: عندما تكون عارضة لجسدها، بائعة لشرفها، يكسب الآخرون منه الملايين وتفرح هي بداية بالمديح والثناء ثم تنحدر رويداً رويداً لتصل إلى الندم والاكتئاب والانتحار!

لم يعد بمقدور النساء العفيفات الطاهراتُ أن ينشِّئن بناتهن على الحشمة والكل يشاهد في وسائل الإعلام التقدير والاحترام للساقطات والشاذّات والمغيّرات لخلق الله تعالى!!

كيف يمكن أن نُقنع الفتاة أن وجهها جميلٌ كما خلقه المولى القدير حين أصبحَتْ ترى التغيير ضرورة مُلحّة؟ نعم... أصبح من المهم نفخُ الشفاه ورفع الحاجب ونتفه، وتكبير أعضاء وتصغير أخرى، وشفط الدهون وتكسير الأنوف... وغير ذلك من التبرج الذي ما عدنا نُفرِّق بسببه بين واحدة وأخرى في الشكل. وما عادت النصائح تنفع المرأة لإقناعها بعدم جواز هذه العمليات التجميلية بعدما حاصرت ذهنها وتفكيرها، وأصبح جُلُّ هَمِّها أن تكون جميلة مهما تقدم بها العُمُر لأن قيمتها اليوم في جمالها.

المرأة اليوم تريد الوصول إلى النموذج الأمثل في برج الجمال الذي رسمه التجار بالجسد، ولكنها لا تستطيع. فظهرت أمراضٌ ما كنَّا نسمع بها، ومنها المرض الشهير المسمّى (لانوركسي فوزما) الذي يؤدي بالمرأة إلى إجبار نفسها على النحافة ولو أدّى ذلك إلى حتفها.

ولا يقتصر الأمر على المرأة في هَوَسها بالجمال؛ فلقد انتقلت العدوى إلى الرجل الذي لم يعد يقنع بزوجته، وامتدّ نظره إلى أبعد من ذلك بعد تسهيل الوسائل وتبرير الدوافع بعيداً عن منطق الشرع والدين. فانعكست النتيجة أيضاً على المرأة، التي تفككت أسرتها، وانهارت ثقتها بنفسها.. لأن جسدها أصبح القضية الأهم في هذا العصر؛ أما الجانب الإنساني فهو مُهْمَلٌ متروك... ولا بأس بذلك!!

المهم أن تحظى بالمعايير التي تجعلها تُقبلُ في الوظائف والمؤسسات والشركات.

فقد أصبح الشكلُ الشرطَ الأساس للتعامل بين الناس؛ فالمذيعة يجب أن تكون جميلة ولو خلا حديثها من المنطق والموضوعية، والسكرتيرة يجب أن تتصف بالجمال لتشجيع المساهمين على التعامل مع المؤسسة ولو لم تكن قادرة على التواصل مع الآخرين.

وحدّثي ولا حرج عن البرامج التلفزيونية التي تُضَخّم أهمية الجمال. فهل هذا الواقع هو الذي يُرضي غرور المرأة؟
حبذا لو تستفيق كل أنثى قبل أن تكتب في وصيتها «وَدِدتُ لو كنتُ أمّاً سعيدة».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين