نساؤنا في الطرقات - نساؤنا
نساؤنا في الطرقات
ريما حلواني
على أبواب فصْل الصيف مِن كلِّ سنة تزْداد حرارةُ الشمس، وترتفع درجاتها، فيرتفع معها منسوب الغَيْظ لديّ، ممّا أراه من مشاهد لم نعتدْ رؤيتها، سوى على شاشات بعض "الفضائحيات"، التي تملأ سماءنا؛ لتنشرَ الرذيلة بكلِّ ما أوتيتْ من قوة وأموال.
لكننا اليوم اعتَدْنا رؤيتها في بلادِنا الإسلامية، في: شوارعنا، وأسواقنا، وأشغالِنا، ومدارسنا، وجامعاتنا، واستمرأها البعضُ؛ إلا مَن رحم الله.
في شوارعنا: إذا التفتَّ إلى يمينكَ، رأيتَ فتاةً شِبه عارية، تحمل سيجارة بيد، وجوالاً باليد الأخرى، قهقهة، حديثًا بلا معنى، وألغازًا لا يعلم كنهها سوى الله.
وإذا التفتَّ إلى يسارك، شقَّتْ رائحةُ العطر حاسة الشمّ لديك، وبحثتْ عيناك عن زاويةٍ تَحجُب زينة النساء عنك، وتستُر أجسادهنّ عنك، فما بقي لك سوى دعاء أنْ يصرفَها الله عنك، فتنكفئ عن وجودك، لتُسقِطَ عن كاهلِكَ حِملاً ثقيلاً، وحلاًّ ناجعًا، هو غضُّ البصر.
"نساؤنا في الطرقات"، قالها ذلك المسنُّ في عقده الثامن، متحسِّرًا على زَمَن العفَّة والحياء، خرقتْ كَلِماته أذناي: "نساؤنا في الطرقات"، ويسألون عن جيلٍ صالحٍ يعرفُ ربَّه! هذه تركتْ طفلها عند أمّها؛ لأنَّ الوظيفة أهمّ، وتلك سلَّمَتْه لجارتها، بعد أن ضاقت الحُلُول، وتقطَّعت السّبُل؛ فالعمل أهمُّ، وإذا سألتَ عن سوء تربية، يسوق: فذاك نتاج تربية أمهاتٍ حاضراتٍ غائبات.
نساؤنا من صباحهنَّ إلى مسائهن يُخالطْن الرجال، هذا يُمازحها بالشتيمة وبالسباب، وذاك يداعبها "بأخويّة"، بضربةٍ خفيفةٍ هنا ولمسةٍ "بريئة" هناك.
نساؤنا يُزاحمن في الأسواق، يركبن النقل المشترك، فيختلط الحابل بالنابل كما يقولون، هذا يُشاطرها المقعد، وذاك يضيّق عليها في المكان، وآخر سنحتْ له الفرصة ليَتَحَرَّش بها باليد أو بالكلام، فإلى الله المشتكى، وعليه التُّكلان.
لقد سمعنا فتعجَّبنا مِن نساءٍ مسلمات في باكستان وأفغانستان، عفيفات حييات، فتحسَّرْنا على حالنا - نحن المسلماتِ العربيّات - فإذا لاقت المرأةُ منهن الرجلَ في الشارع صدفةً، أدارتْ وجهها، وأمالتْ جسمها، وتنحّت جانب الطريق، حتى إذا مرَّ الرجل أكملتْ سَيْرها، فما هذا الحياء، وهذه التقوى؟! والمرأةُ تلك قد أسدلتْ عباءتها من رأسها حتى أخمص قدميها، والبرقع يستر وجهها.
أما طرقاتنا، فحدِّث عنها ولا حرج؛ عدوى "اللاحياء" فيها قد تفشَّتْ، والفُحش قد عمّ، والبلوى حلّت، مسرحٌ لإثارة الشهوات، سوق لعَرْض الأجساد، وتجارةٌ رابحة في الإفساد.
طرقاتنا قد عبّدتها الشبهات، وخُلع الحياء عن بعض المحجّبات، هذه في السوق تضحك، وأخرى قد سكبت عليها آخر الصيحات و"الصرعات".
نساؤنا أصبحن - إلا مَن رحم الله - خرّاجاتٌ ولاَّجات، من دون حاجةٍ أو ضرورة، تمضي الأوقات في الأسواق، و(تقتل الوقت) في أماكن الاختلاط المَوْبُوءة، لا التزام بلباسٍ شرعي، ولا تقيّد بخُلُقٍ إسلامي.
فلا تعجب من ابتلاءات تُصيبنا، وكوارث تحلُّ بنا، وأمراض تفتك بأبنائنا.
قد لا يجد كلامي آذانًا صاغية، ولا تحظَى مقالتي بنفسٍ واعية، وقد أُذَمُّ وأُلام، أو يُشار إليَّ بالبَنان: تلك التي تخلَّفتْ عن ركبِ التطوُّر والمدنيَّة، منعتها أفكارها الهلامية عن فهم واقع المرأة العصرية.
أم نجد حياة "المدنية والانفتاح" مَلَأَها الانحلالُ وسوء الأخلاق بعد أن أُرغمنا عليها؟!
جرَّبَتْ نساؤنا العمل، جرَّبن الاختلاط، فأهنَّ كراماتِهنّ، وحططن من عزّتهنّ، وتخلَّيْن عن حقوقهنّ، وخالفن فِطَرَهُنّ.
أليس الأجدى بعد أن خُدِعنا بحياة "التحضُّر والتقدُّم والانفتاح المزعوم" في التخلِّي عن شرائع الإسلام، أن نبحث عن حقيقة سعادتنا وراحتنا؛ لنُصلح ما أفسدناه؟! ونربّي مَن تركناهم، وتخلَّينا عنهم لغيرنا يعلِّمهم ويربّيهم؟! ونُصلح الفِطَر التي انتكستْ، وأخلاق الفتيات التي انحلَّت؛ ليتركن الطرقات، ويرجعن إلى محاضن العفَّة، ومواطن القربات من ربّ البريّات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين