اجعل شعارك يأبى الله علي والإسلام - شعارك في الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:
خلاصة الخطبة الماضية:
يجب على شبابنا أن ينتقوا لأنفسهم الجليس الصالح الخليل الصالح, لأن المرء على دين جليسه وخليله, وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلاً رائعاً في انتقاء الجليس, فقال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ, فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه البخاري.
الصحبة الصالحة لها ثمرات, فبالصحبة الصالحة تذوق حلاوة الإيمان, وبالصحبة الصالحة تظل في عرش الرحمن, وبالصحبة الصالحة تبعث على منابر من نور, وبالصحبة الصالحة يكتب على جبينك: المتحابون في جلال الله, وبالصحبة الصالحة يحبك الله تعالى, وإذا أحبك أيدك بتأييد من عنده.
ثمرة الصحبة الصالحة في الدنيا:
أيها الشاب: أهم ثمرة تجنيها من صحبتك الصالحة في الدنيا هي حلاوة الإيمان, كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا, وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ, وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) رواه البخاري ومسلم.
فإذا أحببت صاحبك في الله تذوقت حلاوة الإيمان, وهل تدري ما معنى تذوقت حلاوة الإيمان؟
من ذاق حلاوة الإيمان صعبت عليه المعصية وسهلت عليه الطاعة, ومن حرم حلاوة الإيمان سهلت عليه المعصية وصعبت عليه الطاعة.
من ذاق حلاوة الإيمان إذا دعي إلى معصية أبى الاستجابة إليها أشد الإباء, لو عرضت الفتن بكل صورها وبكل أشكالها فحلاوة الإيمان التي تذوقها تأبى عليه أشد الإباء أن يستجيب لتلك الفتن.
من ذاق حلاوة الإيمان كان حارساً على نفسه حتى لا يقع في فتنة النساء, أو في فتنة المال أو الجاه أو الظهور أو الرياسة والريادة, من ذاق حلاوة الإيمان كان أمام الفتن عنيداً عليها, لأنه لا يفرط بحلاوة الإيمان التي لا يعرف قدرها إلا من ذاقها.
أيها الشباب لكم أسوة في أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
نعم أيها الشباب, يا من تذوقتم حلاوة الإيمان, لكم أسوة في أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, هؤلاء الصحب الكرام الذين ذاقوا حلاوة الإيمان فاستعصوا على المعصية, وأبَوْها أشد الإباء, انظروا إلى واحد من هؤلاء الصحب الكرام, انظروا إليه قبل الإسلام, وانظروا إليه بعد الإسلام.
فَضالة بن عُمير بن المُلوَّح:
هذا واحد من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان مشركاً, لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً, كانت له صحبة وصداقة مع الناس, كان يجلس إلى النساء يتحدث إليهن, ويتحدثن إليه, وماذا يكون بعد الحديث؟ الله تعالى أعلم, وما هو مضمون الحديث؟ الله تعالى أعلم.
فَضالة بن عُمير كان يأبى الإيمان ويأبى الطاعة بسبب اتباعه للشهوات, ولذلك كان ينجرف من معصية إلى معصية, حتى أراد أن يقترف أكبر معصية يوم فتح مكة, أراد أن يقتل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك بعد أن وقف الجميع أمام الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال لهم الكلمة المشهورة: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تَرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ)؟ قَالُوا: خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ: (فَإِنّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ). زاد المعاد.
بعد كل هذا العطاء والخلق الكريم, أخذ فضالة يفكر في قتل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, عندما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطواف هَمَّ فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوّحِ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ, فَلَمّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفَضَالَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ, قَالَ: مَاذَا كُنْتَ تُحَدّثُ بِهِ نَفْسَك؟ قَالَ: لا شَيْءَ كُنْتُ أَذْكُرُ اللّهَ, فَضَحِكَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: اسْتَغْفِرْ اللّهَ, ثُمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَسَكَنَ قَلْبُهُ, وَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاَللّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتّى مَا خَلَقَ اللّهُ شَيْئًا أَحَبّ إلَيّ مِنْه.
ذاق حلاوة الإيمان, وإذ به يتغير تغيراً كلياً.
قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ كُنْتُ أَتَحَدّثُ إلَيْهَا, فَقَالَتْ: هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ, فَقُلْت: لا, وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:
قَالَتْ هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لا   ***   يَأْبَى عَلَيْك اللّهُ وَالإِسْلامُ
لَوْ قَدْ رَأَيْتِ مُحَمّدًا وَقَبِيلَهُ   ***   بِالْفَتْحِ يَوْمَ تُكَسّرُ الأَصْنَامُ
لَرَأَيْتِ دِينَ اللّهِ أَضْحَى بَيّنًا   ***   وَالشّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الإِظْلامُ
رواه ابن هشام في السيرة.
ما أقبح المعصية بعد الطاعة:
أيها الإخوة الشباب: ما أقبح المعصية بعد الطاعة, وما أقبح الكفر بعد الإيمان, وما أقبح الظلمة بعد النور, وما أقبح الضلال بعد الهدى, حافظوا على إيمانكم من أن يدنس بالمعصية, حافظوا على حلاوة الإيمان من زوالها بعد الوقوع في الفتنة.
يأبى عليَّ الله والإسلام:
أيها الشباب: اجعلوا شعاركم إذا دعيتم إلى المعصية: لا, يأبى عليَّ الله والإسلام, لأنكم أيها الشباب مرصودون من قبل الغير, وإن أمثال هذه المرأة التي دعت فضالة إلى الحديث كثيرة وكثيرة جداً في المجتمع, كم من النساء يتعرضن للشباب في الشوارع وفي الجامعات وفي مكاتب العمل وفي المحلات التجارية, وعن طريق الهواتف النقالة خاصة؟ وكل واحدة تقول: هلم إلى الحديث.
فيا أيها الشاب المسلم, يا من تذوقت حلاوة الإيمان, إذا تعرضت لمثل هذا الحال فقل كما قال من ذاق حلاوة الإيمان, قل كما قال فَضالةُ: لا, يأبى عليَّ الله والإسلام, قل هذا بملء فمك.
وإن قيل لك: لماذا تأبى الحديث مع النساء؟
أولاً: أريد أن أضحك في النهاية:
فقل: لا أريد أن أضحك في البداية وأبكي في النهاية, لا أريد أن أضحك قليلاً وأبكي كثيراً, لا أريد أن أكون مثل المجرمين الذين يضحكون بداية ويبكون نهاية, أريد أن أكون من المؤمنين الذين ذاقوا حلاوة الإيمان وضحكوا في النهاية, قل هذا بملء فيك ثم اتلُ عليهم قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُون * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِين * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَء لَضَالُّون * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُون * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُون * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون}.
ربما أن يضحك منك المجرم بداية, وربما أن تضحك المجرمة منك بداية, لأنك في ظنها لا تحقِّق لنفسك متعة.
نعم إنها متعة في الدنيا الفانية, حيث يذهب أثر لذتها وتبقى مرارتها إلى يوم القيامة.
ثانياً: أريد أن آخذ كتابي بيميني:
قل أيها الشاب لدعاة الانحراف ولدعاة الضلالة: يأبى عليَّ الله والإسلام الانحراف, لأني أريد أن آخذ كتابي بيميني لا بشمالي, حتى أقول بملء فمي: هاؤم اقرؤوا كتابيه, كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة * فِي جَنَّةٍ عَالِيَة * قُطُوفُهَا دَانِيَة * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَة}.
إن ثباتي على الحق والإسلام والفضيلة يشرفني ويبيض وجهي, لذا أقول بملء فمي في أرض المحشر: هاؤم اقرؤوا كتابيه.
قل لا أريد أن آخذ كتابي بشمالي, كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه}.
لقد ذهبت اللذة الموهومة, ذهبت الأهواء والشهوات المخالفة, يا ليتها كانت القاضية, فلا أريد الجحيم الدائم.
ثالثاً: أريد أن أكون من أصحاب الهداية:
قل أيها الشاب المسلم لمن اتبع الشهوات: أريد أن أكون من أهل الهداية إلى الطريق المستقيم, أريد الهداية من الله عز وجل للطريق الموصلة إلى الجنة التي عرضها السماوات والأرض, أريد النعيم الدائم, وذلك من خلال مجاهدتي لنفسي, {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}, فأنا أريد مجاهدتها ومخالفتها للوصول إلى البغية العظمى في الحياة الدنيا, ألا وهي الهداية إلى سبيل مرضاة الله عز وجل, كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين}.
لا أريد أن أكون ممن قال الله عز وجل فيهم: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}. لا أريد الغي لا أريد نار جهنم بشهوة ساعة في الدنيا.
خاتمة نسأل الله حسنها:
أيها الشباب: أخيراً أقول لكم: اجعلوا شعاركم لا, يأبى عليَّ الله والإسلام, ولا تخربوا مستقبلكم في الآخرة بشهوة ساعة في الدنيا. ولعلي أن أتابع الحديث معكم في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين