مبشّرات في حُلْكة الظلام من فلسطين وتركيا

 

في خِضَمّ ظروف المنطقة العربية التي تجتاحها أعاصير الفتن والحروب وتسيل فيها الدماء وتعتصرها الآلام وكأنها إحدى تجلّيات ما توعّد الله به المسلمين ?واتقوا فتنة لا تُصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أن الله شديد العقاب?: حَصَلت مبشِّرات ارتفعت بها المعنويات واستأنست لها القلوب في حُلْكة هذا الظلام المُعتِم وذلك لتتعلّم الأمّة منها تطبيقيّاً دروس (التغيير المنشود) لواقعها الهزيل وتُعالج مرض (الغُثائيّة) العُضال الذي يفتك بجسدها: 

فمن فلسطين دروس الإرادة والعُنفوان.. لقد أعطت انتفاضة السكاكين والحجارة في فلسطين على مدى الأسابيع الماضية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين اليهود أعظم دروس الإرادة والعزيمة، والإباء والعنفوان والغَيْرة: قدَّمها شباب في عُمُر الزهور ورجال ونساء دفاعاً عن المسجد الأقصى ورفضاً لتقسيمه مكانياً وزمانياً بين المسلمين واليهود.. 

وكانت مشاهد هجوم النساء صارخات في وجوه المدجَّجين بالسلاح من اليهود، وضَرْبُ شباب ونساء على أذرُعهم وأذرُع مستوطنين محتلّين من الجماعات اليهودية المسماة (تدفيع الثمن) الإرهابية.. ضَرْبُهم بشجاعة ليكفّوا عن رفع السلاح في وجوههم وعن تطاولهم عليهم وهم متوجِّهون إلى المسجد الأقصى، وكذلك مشاهد طعن جنود الاحتلال بالسكاكين والخناجر: كانت مشاهد يتابعها ملايين من الناس على شاشات الفضائيات فتحرّك فينا وفي الملايين مشاعر الإعجاب والعزة، وتكاد هذه المشاعر تعانق السماء برؤية المسلم الفلسطيني بإيمانه القويّ بالله وشجاعته الفائقة وتمسُّكه بحقه إلى حدّ استسهال الموت في سبيل الله وفي سبيل حماية الأقصى: مسرى أعظم رسل الله عليه أزكى السلام وأفضل الصلوات ومنطلق معراجه إلى أعلى السموات..

وهذه أبيات منتقاة من قصيدة (انتفاضة الأقصى) للشاعر د. جمال مرسي تعكس تلك المشاعر:

الله أكبرُ يـا سيــلاً من الغَضَبِ يا قَصْفاً من ريـاح النــار واللّهَــبِ

الله أكبـر يا أبطـالَ أمّتنــــا في ساحـة القـدس في يافـا وفي النَّقَبِ

الله أكبر يــا أطفــالَ أمّتنــا أنتـم رجـالٌ من اليـاقـوت والذهـبِ

فاستبشري أُمّتي بالنصر في وطنٍ صَبَّ اليهـودُ به وَيْـلاً من الكُـــرَبِ

عمّا قريـبٍ يعود الحقُّ منتصـراًَ مهما استطال زمـانُ الزَّيْف والــكَذِبِ

ومن تركيا دروس الوعي والتخطيط والذكاء السياسي.. لقد واجهت تركيا في السنتين الأخيرتين تحديات ضخمة وجمّة وحيكت لها مؤامرات خطيرة بلغت الذروة في انتخابات يونيو (حزيران الماضي) بسبب موقفها الشجاع  في مناصرة قضايا الشعوب الإسلامية  في المنطقة وخاصة في فلسطين وسوريا ومصر.. ثم جاء الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية في (1نوفمبر 2015) قبل أيام، إعادة تجديد ثقة أغلبية الشعب التركي به وبسياساته الداخلية والخارجية ليفرض معطياتٍ جديدةً  مبشّرة بإذن الله للمستقبل السياسي والاقتصادي لتركيا، ولمسار علاقتها الندّيّة مع دول حلف الناتو وأمريكا الماكرة، وتُجاه روسيا العدوانية الفاجرة، ولمستقبل الثورة العظيمة  في سورية على طريق خلاصها من محنتها المؤلمة ـ بإذن الله ـ بما يحقق للشعب السوري حريّته وكرامتَه وخلاصَه من نظام الاستبداد والقتل، ولمستقبل الوضع السياسي في مصر وموقفها من انقلابه المشؤوم وأجزل الله ثواب شاعر (الدعوة الإسلامية) د. عبد الرحمن العشماوي لأبياته الصّادقة: 

في تركيـا شدَّتْ الأمجـادُ مِئْـــزَرَها وأَيْنَعَتْ ثمـراتُ الـرَّوْضِ وازدهـــرا

حكـايةٌ بــدأ التاريـــخ يكتبهـــا في دفتـر المجـد والإقــدامِ: مُفتخـِرا

رَوحٌ تعــود إلى مـا كان من ألَـــقٍ وهِمّــةٍ وإبــاءٍ يدفـــع الخطــرا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين