أدب الحديث على الهاتف - الهاتف وأدب الحديث
أدب الحديث على الهاتف
خطبة الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي
على منبر جامع الحسن في أبي رمانة
بدمشق 19/جمادى الثانية/1430

أيها الإخوة المؤمنون.. نتابع الحديث في  سلسلة الآداب الشرعية، ومن أهم المواقف في الآداب الاجتماعية آداب الهاتف، آداب الحديث على الهاتف، اخترت هذا الموضوع لمسيس الحاجة إليه، وللتقصير الموجود عند غالب الناس، ولسوء الأدب الذي يعاني منه كل واحد منا مما يطرقه خلال الهاتف.
فالسؤال: هل هناك آداب شرعية في الحديث على الهاتف؟.. هل لذلك أصل في الدين أو في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم المسمى (السنة)؟.. الجواب: نعم، ولا شك في ذلك ولا ريب أيها الإخوة، نعم لا شك أنه لم توجد هذه المخترعات في ذلك العصر ولم يعرف الصحابة ولا التابعون هذه الآلات والأدوات التي (نتنعم بها)!؟ ، وأقف مع إشارة تعجب واستفهام عند كلمة (نتنعم)؛ لأن بعض هذا النعيم بلاء، وسأكشف لكم عن وجه البلاء في الهاتف المعروف باسم: (التلفون).
رغم أن الصحابة لم يعرفوا هذه الآلات والأدوات، لكن النبي عليه الصلاة والسلام وضع السنن والآداب الصالحة لكل عصر وزمان، وهذا هو جمال ديننا وشريعتنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام مما يصلح لكل زمان ومكان، ففيه قواعد عامة أرست للإنسانية أسس التواصل الاجتماعي، ووضعت قواعد الآداب فيما بين الناس عامة، سواء كان ذلك في الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاملات المتعلقة بالربا والصرف والمزارعة والمساقاة أو أحكام القضاء.. أو في الآداب الشرعية العامة كآداب عيادة المريض وآداب الزيارة وآداب السفر وآداب الاستئذان.. وربما ترجع الأصول الشرعية في الحديث على الهاتف إلى جملة من هذه الآداب هي: (آداب السلام، آداب الحديث، آداب الاستئذان) هذه جملة من الآداب الشرعية تنطبق على حالات عديدة.
آداب الاستئذان إذا أراد الإنسان أن يطرق الباب ليزور أخاه أو ليدخل على أمه مثلاً، ماذا يصنع؟ هل يفتح الباب من غير استئذان؟ لا، وإنما يطرق الباب، كيف يطرق الباب؟ يطرق الباب مرة طرقاً لطيفاً، فالإسلام دين اللطف، الإسلام دين الأدب، لا يطرق بجمع يده طرقاً يزعج النائم ويوقظه وينزل في قلبه الرعب، وإنما يطرق الباب طرقاً يسمع الغافل، لكن لا يرعب النائم بحيث يقوم منتبهاً انتباهاً شديداً، يطرق الباب طرقاً بأدب ولطف، فإذا طرق الباب انتظر، قال العلماء: مدة الانتظار تمتد إلى مقدار أربع ركعات، لأن صاحب الدار أو من تطرق عليه ربما ابتدأ الصلاة الآن، قبل أن تطرق عليه الباب بلحظات، بأنفاس، ربما ابتدأ الصلاة وربما تكون صلاة فرض رباعية، نعم إن كانت نافلة له أن يختصر الرباعية إلى اثنتين، لكن ربما تكون صلاة فرض، وقد ابتدأ الصلاة الآن، نعم ربما يختصر، إذا كنت تصلي وطرق الباب وتصلي فريضة لك أن تختصر، بدل أن تقرأ سورة البقرة تقرأ سورة (إنا أعطيناك الكوثر) تختصر ولا تترك الطارق ينتظر على الباب.. ثم بعد مضي مقدار نحو أربع ركعات تطرق الباب مرة ثانية طرقاً لطيفاً بأدب، ثم بعد ذلك تنتظر مقدار أربع ركعات، تقول ربما لم يسمع الطرق الأول وابتدأ الصلاة الآن، تؤول له وتلتمس له العذر، ثم تنتظر.. ثم تطرق المرة الثالثة وتنتظر مقدار أربع ركعات، ثم تنصرف إن لم يفتح لك الباب، هذا هو الأدب في طرق الباب.
فإذا فتح لك الباب بعد دقيقة أو دقيقتين لا يجوز لك أن تواجه صاحب الدار تقول: يا أخي أنا أنتظر منذ ساعة، يا أخي لماذا لم تفتح الباب!.. أولاً أقول لك: الشرع يقول: الإنسان حر في بيته، إن أراد أن يفتح للطارق أو لم يفتح، فصاحب الدار ملِك في مملكته، ربما لا يحلو له أن يلاقي أحداً من الناس في هذه الساعة، ربما يكون على جنابة وقد أتى أهله، ربما يكون في حالة من الغضب الشديد لا يريد فيها أن يلقى أحداً من الناس، تطرق عليه الباب وتلزمه باللقاء في مثل هذا الوقت!.
إذاً آداب الاستئذان يحتاج إليها أيها الإخوة في الزيارات، لكن يحتاج إليها أيضاً عند الحديث على الهاتف، الذي يتصل بالآخر بطريق الهاتف يناديه ويستأذنه في الكلام معه، بدل طرق الباب يطرق جرس الهاتف، بدل أن يناديه: يا فلان، أو يطرق الباب بالسَّقَّاط أو بالجرس يدق رقماً، وإذا بالجرس يرن في غرفة النوم وفي المطبخ وفي غرفة الجلوس وفي المدخل وفي كل مكان فيه هاتف في البيت ترن الأجراس، والآن صار هناك هاتف نقال أيضاً، وربما اثنان أو ثلاثة مع رجال الأعمال، فترن الهواتف في الجيوب.
المتصل مستأذن، يستأذن في الحديث مع صاحب الهاتف، السنة هنا استنباطاً من أحكام الاستئذان: أن يناديه مرة ومرتين وثلاث مرات، أي: يترك الجرس يرن أول مرة.. المرة الثانية.. المرة الثالثة.. ثم يغلق، لا أن يترك الجرس يرن مقدار خمس دقائق فيزعج من في البيت جميعاً، ربما صاحب الهاتف لا يريد أن يتحدث معك في هذا الوقت، وبعض أصحاب الأشغال من أهل الدنيا والآخرة يعرفون هذا، الناس يتصلون بنا أيها الإخوة وربما بكم كذلك، وكلكم يعاني من هذا.. الإنسان يأكل يتصل الناس به، الإنسان يتوضأ الناس يتصلون به، الإنسان يصلي الناس يتصلون به، الإنسان يؤانس أهله الناس يتصلون به، الإنسان يأكل مع أولاده ويلاعب أولاده الناس يتصلون به، وكل واحد منهم يتصل يتوقع منك أن ترد عليه، لأن حاجته يظن أنها ضرورية، فإذا لم ترد عليه، يقول لك: يا أخي اتصلت بك أمس لم ترد علي!.. وماذا في ذلك؟ من قواعد الآداب العامة: المشغول لا يشغل، وهناك أولويات، وهناك بعض الناس إذا رد على الهاتف لا ينجز عملاً، وربما بعضكم يعرف هذا خلال الأعمال والوظائف أيضاً [وسنتحدث إن شاء الله عن آداب الموظفين] الموظف إذا يرد على الهواتف ربما لا ينجز معاملة من المعاملات إطلاقاً.
إذاً أخي المسلم اعذر من لا يرد عليك على الهاتف، ولا تُلِحَنَّ عليه إلحاحاً، أصلاً الهواتف لا تكون إلا للضرورة، لا لقص السير وسرد الأخبار ومجرد السؤال عن الأحوال!.. فإذا ناديت أخاك -أي: اتصلت به- [هذا أصل معنى كلمة: (ألو) بالفرنسية، أو (هالو)، معنى ذلك: مرحباً أو معناه: أناديك] وهنا يمكن الاجتهاد، من الذي يسلم أولاً؟.. هناك في آداب السلام في الإسلام: النازل يسلم على الصاعد، إذا كنت أنت صاعداً على الدرج والآخر ينزل من الدرج، من الذي يبدأ بالسلام؟ الأدب: أن النازل يبدأ بالسلام على الصاعد، الواقف يسلم على القاعد، الماشي يسلم على القاعد، هذه من آداب السلام، الواحد يسلم على الجماعة، لا يقول: يا أخي مررت بجانبه ولم يسلم علي! إذا كنتُ جالساً وأنت تمر ماشياً، فالمار أولى بالبدء بالسلام، وإن كان هناك خلاف بين الفقهاء: هل السلام أولى أو رده أولى وأفضل؟.. بدء السلام سنة ورده واجب، هذا المعتمد عند الفقهاء، فكذلك أيها الإخوة في مسألة الحديث على الهاتف، الذي يتصل يرفع السماعة ينبغي أن يعرِّف بنفسه أولاً، ويسلم يقول: السلام عليكم، أنا فلان.. هذا من آداب الحديث على الهاتف، لأن الرجل إذا لقيته وجهاً لوجه وأنت لا تعرفه، ينبغي أن يعرّف بنفسه، هذا من آداب اللقاء وجهاً لوجه، إذا لقيت أخاً لا تعرفه وسلمت عليه ووقفت معه ووقف معك تصافحه، الأدب أن يعرّف بنفسه، يقول لك: السلام عليكم، أنا فلان جارك في البيت.. أنا فلان رفيقك في المصنع.. أنا فلان.. يعرف بنفسه.
التعريف بالاسم كشفٌ عن النسب؛ لأنه يكشف عن كثير من أخبار الإنسان. مجرد اسم الإنسان ونسبه يكشف عن أصله وفصله، وعن نشأته وتربيته، وعن أخلاقه، يخبر بأشياء كثيرة. ومعرفة النسب من الضرورات الشرعية، حتى فيما بين الأصحاب والإخوان، والجيران، والرفقاء، والمصلين في المساجد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في جملة أحاديث: ((إن من ثابت ود أخيك أن تسأله عن اسمه ونسبه.)).
فإذا اتصل المتصل أيها الإخوة، ورددت، ورفعت السماعة، يمكن أن تقول: نعم، أولاً، لأنه يناديك. ويمكن أن تقول: السلام عليكم، إن أحببت. إذا قلت: نعم، يقول: السلام عليكم، أنا فلان؛ لأن الصوت قد يغيب، ربما تتصل بأخيك، ولكن الهاتف والنداء البعيد ربما يغير الصوت، والتشويش في الاتصالات أحياناً يغير الصوت، والإنسان قد لا يتوقع الاتصال من أخيه في مثل هذا الوقت، فلو اتصلت بأخيك قل له: أنا فلان، ربما يشتبه صوتك بصوت آخر، فيسبك، ربما.. نسأل الله السلامة والعافية، ربما لا يكون في مزاج جيد، ولا يتوقع اتصالاً منك، وقد تتصل بأستاذك أو بتلميذك مثلاً، أو بأخ لك بينك وبينه مودة شديدة، ولا يميز صوتك لذهول عنده، قد يذهل عن ذلك، فقل له: أنا فلان. فهذا من آداب الهاتف أيها الإخوة .
إذاً الأدب الأول: أن لا نترك الهاتف يدق في كل ساعة، وفي كل وقت، نتركه يدق دقاً شديداً طويلاً، دع الهاتف يرن ثلاث مرات ثم اتركه، لأن صاحبك حينها يكون معذوراً: يصلي، أو يأكل، أو يتوضأ. هذا الأدب الأول.
الأدب الثاني: إذا رد أن تبتدئ بالسلام والتعريف عن نفسك، ثم ادخل في صلب الموضوع، واذكر ما اتصلت من أجله، وينبغي أن يكون ضرورياً، وبخاصة أيها الإخوة في هذه الهواتف النقالة، وأنا قلت: هي نعمة ولكن فيها بلاء، والهواتف عامة فيها هذا البلاء، كل ما فيه موجات كهرومغناطيسية يؤذي الدماغ أيها الإخوة، ويؤذي الجهاز العصبي في الإنسان، هذا ثبت في الطب الآن، كل جهاز حتى جهاز الراديو الذي فيه ذبذبات كهربائية مغناطيسية تؤذي الأذن، تؤذي السمع، تؤذي الدماغ، تؤذي الجهاز العصبي في الإنسان؛ فالإكثار من ذلك ضار. وقد أجريت تجارب في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول على الناس، وتبين الأثر السلبي لهذه الموجات على الدماغ، لمن يديم ذلك ويكثر منه .
فتصور إذا كنت تتحدث على الهاتف النقال مدة ساعة كل يوم، وهذه الذبذبات تخترق السمع. أنا أقول لكم: لاشك ولا ريب أن الذي يتحدث على الهاتف النقال ساعة كل يوم لا بد أن يجد فرقاً في دقة سمعه، لا بد أن يتأثر السمع. والإسلام جاء لدفع الضرر ((لا ضرر ولا ضرار)) لذلك أقول لكم: الاتصال بالهاتف ضرورة من الضرورات، وبخاصة الهاتف النقال. الإنسان ضاع في الطريق إليك، إنسان عنده قضية، عنده مريض، إنسان يريد الغوث. وهنا أقول: إجابة الهاتف تدخل في هذا الباب، إجابة الهاتف للضرورات، تدخل في باب إغاثة الملهوف؛ لأن الأصل أن الذي يتصل بك يتصل بك للضرورة، قد نزل به أمر، حزبته شدة، فهو يتصل بك للضرورة، فينبغي أن تغيثه، وأن تعينه، (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)). هذا الأصل في الاتصال، لا أن يتصل الإنسان لتبادل الأحاديث! إذا أردت تبادل الأحاديث فزر أخاك، زره تكسب عند ذلك الثواب، يضع الله تبارك وتعالى على مدرجتك ملكاً يدعو لك ويستغفر لك. إذا زرت أخاك في الله تبارك وتعالى تسأله عن أحواله وعن دينه وعن تقواه .
إذاً ادخل في صلب الموضوع، واطلب ما تريد، وأخبر بما تريد، وتحدث ولا تطل الحديث. نعم.. ربما بعض الناس لا يبالي بقيمة الفواتير! أنا لا أريد الحديث عن الإسراف الآن، لكن أريد الحديث عن قيمة الوقت لا عن قيمة الدرهم والدينار أيها الإخوة ربما كلنا مقتدر ويستطيع دفع الفواتير مهما علت لكن الوقت أهم من المال أيها الإخوة، الوقت الذي تصرفه بالحديث على الهاتف، هذه خمس دقائق في مكالمة، ثم بعد ساعة خمس دقائق، ثم بعد ساعة خمس دقائق، تعرفون ما مجموع هذا؟ إذا تحدثت كل يوم ساعة على التلفون وهذا أنا أظن هذا أقل قدر ممكن يمكن حسابه، كل يوم ساعة أقل قدر ممكن بالنسبة لرجال الأعمال، معنى ذلك ساعتان، كل ساعة نشاط تحتاج إلى ساعة راحة، الإنسان يعمل عشر ساعات ينام ثمان ساعات، ويأكل، ويتوضأ، ويغتسل. فإذاًَ نصف النهار عمل، ونصف النهار راحة، واستعداد، وطعام، وشراب، ونوم. كل ساعة عمل تقابلها ساعة راحة، عندك ساعتان، يعني /1/ على /12/ يعني إذا عشت ستين سنة  تكون قد صرفت خمس سنوات من عمرك في الحديث على الهاتف! هل يمكن تصور هذا وتصديقه أيها الإخوة؟! الذي عمره ستون سنة نطرح منها خمس عشرة سنة دون البلوغ، ذهب الربع، تكون صرفت ثلاث سنوات ونصف من عمرك، إذا كان تتحدث على الهاتف كل يوم ساعة، الوسط فيمن عمره سبعون سنة أو خمس وسبعون سنة خمس سنوات من عمره ضاعت في الحديث على الهاتف. الواحد منا إذا كان يصرف كل يوم خمس دقائق في ذكر الله تبارك وتعالى، أنا أقول لك: إن شاء الله ترزق حسن الخاتمة. الذي يصرف كل يوم نصف ساعة من وقته في ذكر الله عز وجل هذا إن شاء الله يطرق باب الولاية، ويكون من أولياء الله تبارك وتعالى. الذي يصرف نصف ساعة من وقته كل يوم في تعلم الفقه لا بد أن يكون من العلماء الفقهاء المفتين، يصير مفتياً. إذا يصرف نصف ساعة كل يوم في تعلم الفقه فما بالك بمن يصرف ساعة في الحديث على الهاتف!! هنا نترك الحديث عن النساء، وكم يصرفن من الحديث على الهاتف، وتعرفون الكلام في تمسك النساء بالأحاديث الهاتفية كل صباح وكل مساء. أنا أقول: هذا صار الآن من صفات الرجال لا من صفات النساء، نحن نتحزب للرجال ضد النساء ولكن ينبغي أن نقر بالحقيقة، قَلَّ ما تجد إنساناً الآن إلا ويخرج الهاتف النقال في الطريق ويتحدث في الهاتف النقال، قل ما تجد ! حتى ربما يصطنع ذلك ليعلم الناس أن معه هاتفاً نقالاً إذا كان شاب حدث السن. فإذاً لا تطل أيها الأخ على الهاتف، اختصر قدر المستطاع. هذا هو الأدب الثالث.
الأدب الرابع أيها الإخوة: من الذي ينهي المكالمة؟ هذا نستفيده من أدب النبي عليه الصلاة والسلام في المصافحة. ((كان عليه الصلاة والسلام إذا صافحه أحد لا ينزع يده حتى يكون الذي صافحه هو الذي ينزع يده.))
الأصل أن من جاءك، وطرقك، أنك لا ترده ولا تنهي الحديث معه حتى ينهي هو حديثه؛ لأنه ربما ما زال في المقدمات، يمهد ويقدم، ما زال عنده بقية حديث، فلا تقطع الحديث على من اتصل بك حتى يختم هو حديثه. هذا هو الأدب أيها الإخوة. المتصل أولاً ينهي الحديث أولاً؛ لأنه صاحب حاجة، لأنه هو الذي اتصل، فإذا تمت حاجته يقول: لك السلام عليكم. تقول له: وعليكم السلام، يضع السماعة أولاً، ثم تضع السماعة أنت. هذه آداب اجتماعية أيها الإخوة يتعلمها الناس في بلاد الغرب، وهي عندنا لها أصول نبوية في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وفي الآداب الاجتماعية.
فإذاًَ لا تقطع على أحد حديثه. وكم رأينا من الناس من يتصل، ربما يتصل ليسأل سؤالاً، وإذا بالرجل الذي يتصل به يقول: شكراً شكراً، وعليكم السلام، مع السلامة!! لم يتم حديثه، انتظر ما أتممت الحديث!! انتظر لم أسألك عن شيء بعد!! فإذاً لا تضع السماعة.. لا تقطع على من يتحدث معك حديثه حتى يكون هو الذي يقطع حديثه. وهذا جاء أيضاً النص عليه في حديث هند بن أبي هالة في شمائل النبي عليه الصلاة والسلام مما أخرجه الإمام الترمذي: ((أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز (يتم حديثه)، أو يكون هو الذي يقطع الحديث الذي ابتدأ الحديث)) والذي ابتدأ السؤال هو الذي يقطعه أولاً، وهو الذي يختم أولاً.
هذه جملة من الآداب أيها الإخوة مما ينبغي التنبه له، وهي أول الآداب الشرعية.
أما الآداب العامة للهاتف فهي أوسع من ذلك بكثير أيها الإخوة، مثلاً: الهاتف النقال الآن صار في جميع المساجد، ويضع الإنسان الرنة للمنبه على أغنية من الأغاني، ربما، وقد حدث هذا في بعض المساجد، خلال الصلاة بصوت عال قامت إحدى المغنيات تغني، هاتف نقال، التنبيه موضوع على أغنية من أغاني المغنيات الساقطات، نسأل الله السلامة - مغنية ساقطة أو غير ساقطة- أو هذا الجرس الذي هو من علامات الشيطان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيه: ((عند كل جرس شيطان)) يدق الجرس والناس يصلون مثلاً، حتى ولو كان (طلع البدر علينا) ولو كان (يا طيبة) وأمثال هذا من الأغاني والأناشيد النبوية. المشغول لا يشغل! الإنسان ملتفت إلى صلاته فلا يجوز أن يقطع عليه صلاته شيء من الأمور الدنيوية. فالأدب إذا دخلنا إلى المساجد أيها الإخوة أن نغلق هذه الهواتف كلياً أو نضعها في وضع صامت. أنا آسف أننا بحاجة إلى التصريح في أمثال هذا، لكن ما يزال الناس عندنا يحتاجون إلى التنبيه، ولن نرتقي كأمة أيها الإخوة، نحن أمة حضارة، نحن أمة نظام، نحن أمة آداب، الذي أدخل الناس في الإسلام قديماً إنما هو أدب المسلمين، أدب الصحابة، أدب التابعين، آداب العلماء، الأدب الذي كان يتحلى به أهل الشام قديماً، ويعرفون به مما ورثوه عن الصحابة. دخل الشام أيها الإخوة عشرة آلاف صحابي، دخلوا دمشق الشام، هذا البلد الذي نعيش فيه بفضل الله تبارك وتعالى. أين ذهبت هذه الآداب بين أبناء الجيل المعاصر؟؟ فالأدب إذاً إذا التفت إلى أمر بكليتك وبخاصة إذا كان الصلاة أن تلتفت بكليتك وتقبل على مولاك سبحانه وتعالى وأن تنصرف عن الأشغال الدنيوية .
أسأل الله تبارك وتعالى أيها الإخوة أن يعيننا وإياكم على إحياء هذه الآداب الشرعية والسنن النبوية، في كل زاوية من زوايا حياتنا، وفي كل ركن من أركان مجتمعنا، وأنا أرجو من الإخوة الآن أن يكون كل واحد منكم داعية إلى الله تبارك وتعالى، نريد أن نرقى ببلدنا وبأحوالنا وبأسرنا وبيوتنا ومجتمعاتنا ودوائرنا ومدارسنا إلى مستوى من الأخلاق من الفضيلة من الآداب، بحيث إذا نظر الكفار إلينا يقولون هؤلاء المسلمون قدوة يجب أن ندخل في هذا الدين الذي صير هذه الأمة إلى هذا المستوى من الأدب ومن الفضيلة.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا إنه سميع قريب مجيب أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين