الوحدة اليمنية من التضاد إلى  غياب مشروع الدولة - اليمن
الوحدة اليمنيّة.. من التضادّ إلى غياب مشروع الدولة
بقلم: عادل أمين
أتابع كما يتابع غيري ما يجري على الساحة الوطنية اليمنية من حراك متنام في المحافظات الجنوبية واشتداد أوار حرب في شمال الشمال وفي ذات السياق أتابع تحركات السلطة وخطابها وطرائق معالجتها للأحداث.
ولعل جذر الأزمة التي يعيشها الوطن يمتد إلى نتائج حرب صيف 1994م تلك النتائج التي استبدلت مشروع الدولة بالسلطة، وكرّست المفهوم القديم للدولة القائم على الهيمنة وتمجيد الرموز. ولقد تماهى الوطن حتى أصبح فرداً، تدور به وحوله الأحداث، والتبس مفهوم الدولة بالسلطة مما أفقد الدولة مقومات وجودها وضرورات تعبيرها عن الكيان الجمعي وتعاطيها مع تطلعاته ومبادئه وأسس المواطنة.
ما يجب إدراكه أن ثمة فرقاً في المكون الثقافي بين النقيضين اللذين اتحدا عام 1990م، هذا الفرق هو ذاته الذي بلور ملامح حرب 94م وهو ذاته الذي يقود البلاد إلى أزمتها الراهنة.
لقد أصبح الفرد لا يميز بين الدولة والسلطة إلى درجة سماعك من يقول إن المشروع التنموي والمرتب هبة من رئيس الدولة، لأن المفهوم الثابت في ذهنه أن الدولة هي الرئيس.
وعلينا أن ندرك أن السلطة في النظام الديمقراطي ذات بُعدين لا ثالث لهما، بُعْدٌ داخل الدولة، وبعد خارجها، فالسلطة التي تكون داخل الدولة هي سلطة القانون، بمعنى أن الدولة تشكل طرفاً دستورياً محايداً، بحيث يصبح مسؤولو الصف الأول موظفين ترتبط سلطتهم بالقانون من جهة أخرى وبالفترة الانتخابية المحددة من جهة، وبذلك يتعذر على الأفراد والعشائر والأحزاب الحكم إلى الأبد، والأمر الآخر أن هذه السلطة تتنازعها ثلاث هيئات أو مؤسسات هي: التنفيذية، التشريعية القضائية، بمعنى أنها ليست حكراً على أحد، ولكنها سلطة عاملة في إطار منظومة متكاملة هدفها تحقيق غايات الوطن وتلبية طموحاته في سياق يضمن الحد الأدنى من الانسجام والتوازن بما يعزز قيمة الدولة وكيانها الاعتباري أمام المجتمع الدولي، كما يكفل لها التحرك في أداء مهامها في المساحات المنصوص عليها في الدستور والقانون دون ضغط أو وصاية من أحد وهي بذلك تحد من الفوضى والارتجالية ومخالفة القانون كما تحد من تسلط «الأنا» وغرورها.
ومن هنا ندرك أن التباس مفهوم الدولة والسلطة عند طرف من أطراف المعادلة السياسية وإدراك الطرف الآخر له نظرياً ومعرفياً، هذا الإدراك يضعنا أمام نوعين، بإمكاننا ذهنياً التمييز بينهما:
- النوع الأول: هو الذي لم يستوعب النظام الديمقراطي وساعدته المناخات والطقوس على إعادة إنتاج الماضي، ولذلك نجد عقدة الخوف من الآخر ما زالت تحكم حلقتها عليه، وهو يعيش في فراغ لا يدري كيف يرتب أولوياته ومفاهيمه فيه، لذلك تصبح كل توازناته التي استحدثها سيفاً مصلتاً على رقبته كما حدث ويحدث في صعدة، أو كما يحدث في المحافظات الجنوبية، إذ كل رموز الحراك كانوا شركاء في حرب صيف 1994م أو قل جُلّهم، هذا النوع قائم على التحالفات وهو ينتج الأزمات ويديرها ولكنه لا يصنع تنمية وطنية بمفهومها الشامل، وهو بذلك يكون قد طوّع سلطة الدولة لدولة سلطة.
- أما النوع الثاني وهو النوع الواعي والمدرك للمتغيرات، فيحاول تأصيل ثقافة المتغير الحضاري ويعمل على تحديد المفهوم وفق أبعاده النظرية، ويحاول تكريسه في الواقع، وهو في ذات السياق يستوعب معطيات الواقع ويتعامل مع أبعاده، كما يعمل على تطوير الثقافة الحقوقية وينظر إلى المستقبل واستحقاقات الأجيال القادمة بنظرة فيها قدر من المسؤولية التاريخية.
وبين هذين الوعيين المتضادين تكمن جذوة الصراع التي يعيشها الوطن في لحظته الحضارية الراهنة، وهي نتاج تراكم تاريخي وليست وليدة حاضرها.
ويمكن القول إن الثورة في شمال الوطن سابقاً لم تنجح في بناء دولة، وكل المحاولات الرامية إلى تأسيس دولة تم وأدها في مهدها في مقابل تعزيز الفوضى واللاإنتظام، واستمرار سلطة الشيخ المتحالف والمتغلغل في المؤسسة العسكرية وفي مقابل ذلك كانت هناك دولة في جنوب الوطن قامت على أنقاض مستعمر عزز ثقافة المناطقية وقيم الصراع، وقد تجلت ملامح تلك الثقافة في الصراعات السياسية التي وصلت ذروتها في أحداث 13/1/1986م.
ومع غياب المشروع الوطني لدولة الوحدة الذي كان من المفترض أن ينبثق من وثيقة العهد والإتفاق، وجد الماضي له منفذاً، ذلك لأن الفراغ يشتهي الامتلاء، ومن هنا وجدت المشاريع الصغيرة مناخاً لها كي تعيد إنتاج الصراعات وفق قيمها الثقافية الماضوية، وإذا أمعنا النظر في الخطاب وجدنا مفردة «مستعمر» و«محتل» و«مغتصب» و«شمالي» و«جنوبي» وغيرها..
من هذا المنطلق يمكن القول إنه لا بد من تحول نوعي في كل البنى الأساسية في الدولة بحيث ينسجم ذلك التحول مع الأفق النظري للنظام الديمقراطي الذي كان خياراً لا رجعة عنه، وعلى الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية إدراك مسؤولياتها الوطنية في ترسيخ مفهوم التحول وإشاعة روح الشراكة.
خلاصة القول: الوطن بحاجة –في لحظته الراهنة- إلى مشروع وطني نهضوي يعيد بناء الدولة ويستوعب المشاريع الصغيرة في إطار منتظم جامع وشامل، بعيداً عن سياسات الترقيع والمعالجات الآنية التي تحمل في طياتها عوامل الفناء وأسباب التمزق
المصدر : مجلة الأمان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين