تعقيدات إضافية في الأزمة الصومالية - اقتتال الفصائل الإسلامية
تعقيدات إضافيّة في الأزمة الصومالية.. بعد اقتتال الفصائل الإسلاميّة
بقلم: عاصم السيد
القتال الدائر على نطاق واسع في الصومال بين نظام الرئيس شريف شيخ أحمد وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى التي ناصَبَتْهُ العداءَ، وأخذت في مقاومة نظامه بالسلاح، أمْرٌ يدعو إلى الحزن والأسف، فحكومة شيخ شريف المدعومةُ من الأمم المتحدة هي المحاولة الخامسة عشرة لإقامة حكمٍ مركزي في الصومال الذي تَعُمُّه الفوضى منذ 18 عاماً، وقد تفاءل الكثيرون بأن تكون هذه الحكومة بدايةً للاستقرار، لكنّ الاستقرار لم يحدث، بل الذي حدث هو تَكْرَارٌ لتجربة أفغانستان مِنْ تقاتُلٍ وصِرَاعٍ داخلي بين المجاهدين، بعد نجاح الجهاد الأفغاني في إجلاء الشيوعيين السوفيات المحتلين، فبعد أن تَمَّ طَرْدُ الإثيوبيين الغزاة اشتبك الإسلاميون أخوةُ السلاح والجهادِ مع بعضهم البعض، وأَبَوْا أن يُعطوا شيخ شريف فرصةً للعمل، ثم يقيّموا سياساته وما قام به، وعلى ضوئها يحددون موقفهم.
ما زاد الأمورَ تعقيداً هو دخولُ عناصر جديدة إلى الداخل الصومالي للاشتراك في الأعمال العسكرية ضِدَّ نظام شيخ شريف، مما جعله يطالب شَعْبَهُ والمجتمعَ الدولي بمساعدة حكومَتِهِ في القتال ضد المقاتلين الأجانب، الذين انضموا إلى صفوف معارضيه المسلحين.
مقاتلون أجانب يُعَقِّدون الأزمة
دخول المقاتلين الأجانب إلى الساحة الصومالية يزيد الأمورَ تعقيداً، ذلك أن هناك ما يصل إلى ألفِ مقاتل أجنبي من جنسيات مختلفة بَدَأوا في التوافُدِ على الصومال، وهم يقومون الآن بقيادة الإسلاميين المعارضين بحرب الشوارع التي يخوضونها في العاصمة مقديشو، وهؤلاء المقاتلون الذين يرتبطون بتنظيم القاعدة، يقفون وراء النجاحات الأخيرة للمعارضة المسلحة، ويقومون بتدريب المعارضين المسلحين، ويساعدون على حَشْدِ مصادر التمويل والأسلحة، إلى مستوى غير مسبوق من قبل.
نحن لا نطمئن إلى مصادر الاستخبارات الأمريكية والغربية, لأنّ لها أهدافها التي تتحرَّكُ من خلالها وتساعدها الآلة الإعلامية الغربية. إلا أن إقرار المعارضة المسلحة بالأمر للمرة الأولى في 12 من أيار الماضي، والاعتراف بأن مقاتلين أجانب كانوا يحاربون في صفوفهم، يجعل الأمورَ واضحةً.
ورغم أن مجريات الأمور تُؤَكِّدُ أن عناصر «القاعدة» بعيدةٌ عن الصومال حتى الآن، لأن القتالَ بين طَرَفَيْنِ مُسْلِمَيْن، ويجب عَدَمُ إشعاله، والسَّعْيُ إلى تطويقه ما أمكن، ومحاصرةُ الخلافات لا تأجيجها، وقد أدَّى اندلاع المعارك العنيفة خلال الأيام القليلة الماضية أدَّى إلى ارتفاع حصيلة القتلى في مقديشو إلى المئات بين القوات الحكومية والمسلحين، وحسب المفوضية العليا للاجئين التابعةِ للأمم المتحدة فإن أعداد الفارِّين من المعارك التي تدور في العاصمة مقديشو تجاوزتْ مائة ألفَ نازح، وهو ما يُؤَكِّدُ أن انضمام المقاتلين الأجانب يعمل على تأجيج المعارك وزيادةِ أعداد القتلى والجرحى والنازحين.
علامَ التناحُرُ والاقتتال؟
اللافت أنه رغم النداءات التي وجَّهَهَا كثيرٌ من العلماء داخل الصومال وخارِجَهُ إلى المناوئين لنظام شيخ شريف إلى إلقاء أسلحتهم، خاصةً أن البرلمان أقَرَّ تطبيق الشريعة يوم 19 نيسان 2009، على مشروع القانون الذي طَرَحَتْهُ الحكومة لتطبيق الشريعة، وجاءت الموافقة بالإجماع، وكان يُظَنُّ أن هذه الخطوة ستفتح البابَ واسعاً للمصالحة، ولكنّ ما حدث كان المزيد من القتال وسَفْكِ الدماء.
الخلافات بدأتْ منذ إعلان شريف التَّخَلِّي عن المقاومة علانيةً، وتفاهُمَه مع الأطروحة القاضيةِ باعتماد التفاوض بديلاً عن المقاومة أو الجهاد، ثم تنصيبه رئيساً للبلاد في كانون الثاني الماضي بِدَعْمٍ أمريكي وترحيبٍ إثيوبِيّ، هذا كله أثار الشكوك حول شخصيته، وجعل بَعْضَ الفصائل الإسلامية تُعَارِضُ حُكْمَهُ، وتفقد الثِّقَةَ في جِدِّيَّة قراره بتطبيق الشريعة ونزاهته.
حركة الشباب تتخذ من تفاهُمِ شيخ شريف مع أمريكا وسيلةً ومُبَرِّراً لإثارة الداخل الصومالي الرافِضِ للوجودَ الأمريكي. بالإضافة إلى أن الفكر السلفي الذي تحمله الحركة يختلف في تقديره للأمور ومُنْطَلَقَاتِه الفكرية مع فكر شيخ شريف أحمد ومجموعته، وهذا الاختلاف الفكري فتح باباً للتَّخْوين والاتهامِ والطَّعْنِ في الدين، خاصةً أن شيخ شريف يعمل على التصالح والتَّعَاطِي مع كل مُكَوِّنات الواقع الصومالي من صوفيين وعلمانيين.
انكماش القوات الحكومية
الأمور تدهورت وازدادت الخطورة بعد أن سيطرت حركة شباب المجاهدين على مدينة جوهر الصومالية (90 كم شمال مقديشو) بعد معارك عنيفةٍ مع القوات الموالية للحكومة، وكان هذا الهجوم مُتَوَقَّعاً, لأنهم يسيطرون على مدينة بلعد (30 كم شمال العاصمة) وتقع جنوب مدينة جوهر.
ورغم هذه النجاحات لشباب المجاهدين، إلا أنهم تلَقَّوْا انتكاساتٍ حينما انضم الجناح الذي يقوده الشيخ محمود حسن في الحزب الإسلامي، بكامل عتاده الحربي إلى جانب الحكومة الصومالية، بناءً على بيانٍ أصدرته هيئة علماء الصومال، وأَكَّدَتْ فيه أن الحكومة الحالية إسلاميةٌ يحرم محاربتها، في ما يُعَدُّ ضربة للشيخ حسن طاهر أويس زعيم المعارضة، الذي كان يعتمد على أسلحة هذا الفصيل لمواجهةِ القوات الموالية للحكومة.
قوات الاتحاد الإفريقي
ويُعَدُّ وجود قوات الاتحاد الإفريقي في الصومال أهَمَّ العقبات في طريق المصالحة، فالفصائل التي تُنَاوِئُ شيخ شريف وتُعارِض حُكْمَهُ بالسلاح تطالب، إضافةً إلى رحيله، بانسحاب قوة السلام الإفريقية في الصومال المنتشرةِ في مقديشو منذ آذار 2007، وهي تضم 4300 جندي أوغندي وبوروندي، يستهدفهم المعارضون الْمُسَلَّحون بانتظام.
الحزب الإسلامي بقيادة عمر إيمان يرفض وَقْفَ الهجمات المسلحة ضِدَّ قوات الاتحاد الإفريقي المنتشرة في الصومال، ويرى أنه لا سبيلَ لإجراء مُصالَحَةٍ وطنيةٍ داخِلِيَّةٍ، إلا بعد مغادرة هذه القوات، كما يُشَدِّدُ على تطبيق الشريعة الإسلامية، ولا يرى أن إقرارها يحتاج لمصادقة البرلمان، كما فعلتِ الحكومة الانتقالية.
أما حركة الشباب المجاهدين, أهَمُّ لاعب في الساحة الصومالية، فلا تعترف بالحكومة الجديدة بقيادة الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وتصفها بأنها حكومة «مرتدة», لقَبولِها للوجود الأجنبي، ولِوَضْعِها الشريعةَ الإسلامية أمام البرلمان للقبول أو الرفض، فضلاً عن أن الحركة لا تعترف بالحدود الجغرافية، وتَسْعى إلى تأسيس دولة إسلامية عالمية.
وإذا كانت فصائل المعارضة الصومالية المسلحة ترى في وجود قوات الاتحاد الإفريقي عَقَبَةً رئيسةً أمام المصالحة، فإن الجامعة العربية ومعظم الدول العربية - إن لم يكن كلها - تنطلق مواقِفُهَا من أن قوات الاتحاد الإفريقي تحتاجُ إلى دَعْمٍ, لكي تتمَكَّنَ من نَشْرِ بقية القوة الْمُخَوَّلَةِ بحفظ النظام في الصومال، خاصة أنّ هناك عدداً من الدول الإفريقية أبدى استعداده لإرسال قوات إضافية، انطلاقاً من القناعة بأنّ ترك القوة الإفريقية دون دعم عسكري ومادي سيضعها في موقف هَشٍّ إذا قرَّرَتِ المعارضة الصومالية مواجَهَتَهَا عسكريّاً، ومن ثَمَّ لن تتمكن هذه القوة الإفريقية في حال عدم تقديم الدَّعْمِ لها من مساعدة الحكومة الشرعية.
المصدر : مجلة الأمان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين