اجعل شعارك : إنه ربي أحسن مثواي - العفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:
خطاب لشبابنا:
أتوجَّه بخطابي هذا إلى شبابنا المسلم, إلى الفتية الذين آمنوا, إلى الفتية الذين يحافظون على دينهم, أتوجَّه إليهم بحديث العفة والطهارة, أتوجَّه إليهم بالحديث عن طهارة العين وطهارة اللسان, وطهارة اليد والرجل, وطهارة الفرج.
أتوجَّه إلى هؤلاء الشباب بالحديث معهم عن العفة, وخاصة في زمن كثرت فيه الفتن, وقلَّ فيه حياء النساء, وخاصة هذا فصل الصيف, وبعض النساء انطبق عليهنَّ حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ, وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ, مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ, رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ, لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا, وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه مسلم.
أتوجَّه بالخطاب لشبابنا لأنهم على يقين بأنهم مبعوثون يوم القيامة, وبأنهم مسؤولون ومحاسبون يوم القيامة.
إذا ظُلمتم فلا تظلموا:
أتوجَّه إلى الشباب قائلاً: يا أيها الشباب المؤمن, يا أيها الشباب المسلم, إذا ظُلمتم فلا تَظلموا, إذا ظلمكم المجتمع فلا تقعوا في ظلم المجتمع.
نعم أيها الشباب, لقد خاطب الله عز وجل أولياء الأمور وأولياء البنات, كما خاطب التجار والمسؤولين, وخاطب العلماء, وكلَّ من عنده المقدرة لتطبيق هذا الخطاب, فقال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}.
نعم لقد تعامى الجميع عن هذا الخطاب إلا من رحم ربي عز وجل, مع أن الجميع يرى المجتمع, يرى السفور والتبرُّج, ويرى الإغواء والإغراء لشبابنا, إن كان في الشارع, أو في المدرسة, أو في الجامعة, أو في المحلات التجارية, أو في أجهزة الإعلام, وكأنهم ما سمعوا هذا الخطاب وهذا الأمر الإلهي: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ}, والأيِّم من لا زوج له من الذكور والإناث.
نعم لقد ظلمَكم المجتمع, لقد ظلمكم المسؤولون وأولياء البنات والتجار, ولكن هل يعني هذا أن تقعوا في الظلم, وأنتم الذين تحفظون قول الله عز وجل: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون}.
نعم لن يفلح الظالم يوم القيامة, لن يُفلح من كان سبباً في غوَاية الشباب, لن يفلح من كان سبباً في إغراء الشباب, لن يفلح من كان سبباً في تعسير أمور الزواج على الشباب, فإذا كان هؤلاء خاسرين بسبب ظلمهم, فلا تكن أنت أيها الشاب المسلم ظالماً للمجتمع حتى لا تقع في الخسارة التي وقعوا فيها, لأن مولانا عز وجل يقول في كتابه العظيم: {وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
يا شبابنا: لا تقابلوا السيئة بالسيئة, ولا تقابلوا المعصية بالمعصية, فإذا كان المجتمع لم يمتثل قول الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}, فامتثلوا أنتم قول الله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}.
يا شبابنا: لا تُدنِّسوا أبصاركم بالنظر إلى السافرات المُتبرِّجات, لا تُدنِّسوا أسماعكم بالسماع لحديثهنَّ, لا تُدنِّسوا ألسنتكم بالحديث معهنَّ, لا تدنِّسوا أيديكم بمصافحتهنَّ, ولا أرجلكم بالسَّيْر خلفهنَّ, هذا فضلاً عن فروجكم.
اجعلوا يا شباب أبصاركم عفيفة, ومسامعكم عفيفة, وألسنتكم عفيفة, وأيديكم وأرجكم عفيفة, وفروجكم عفيفة, وبذلك تسمون على المجتمع, ويُشار إليكم بالبنان: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}.
يا شباب إن لم تحافظوا على عفة أبصاركم فمسامعكم لن تكون عفيفة, وبعدها ألسنتكم لن تكون عفيفة, ولا أيديكم ولا أرجلكم, وبعدها تقعون لا قدر الله في الفاحشة التي عاقبتها وخيمة, قال تعالى: {وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}.
احذر أقوال المفسدين في الأرض:
أيها الشاب: احذر قول أهل الفساد الذين يعيثون في الأرض فساداً ويقولون: كيف تطالبنا بالعفة ونحن محاصرون بالشهوات من كلِّ جانب؟ كيف تطالبنا بالعفة والفتنةُ أحاطت بنا من كلِّ جانب؟ ويقولون: أعطنا قوة كقوة سيدنا يوسف عليه السلام لنكون مثله.
قولوا أيها الشباب لهؤلاء: ومن منا وصل إلى المراودة التي حُوصر بها سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام؟
وراودته التي هو في بيتها:
أيها الشباب: إياكم أن تنخدعوا بكلام هؤلاء المنحرفين, لم يصل أحد إلى هذه المراودة التي كانت من امرأة العزيز لسيدنا يوسف عليه السلام, والمراودة هي مطالبة برفق ولين في أسلوب مخادع, أين كانت تلك المراودة؟ هل كانت تلك المراودة في الشارع؟ أم في المدرسة؟ أم في الجامعة؟ أم في المحل التجاري؟ أم في المنتزهات؟ أم في النوادي الليلية؟
لقد كانت تلك المُراَوَدَة في بيتها الذي تستطيع التحكم فيه, لذلك قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ}, وهو ما دخل بيتها بالاختيار, بل دخله بالقهر والاضطرار لأنه كان عبداً, وقال تعالى: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} حاصرته هي محاصرة مادية محكمة بدون اختيار منه, فسيطرت هي على المكان وأحكمته, ثم راودته وصرَّحت وقالت: {هَيْتَ لَكَ}.
هذه هي المراودة التي كانت من امرأة العزيز لسيدنا يوسف عليه السلام, ما كانت المراودة في الشارع ولا في مكان مفتوح, وما كانت في المدرسة ولا في الجامعة, ولا عن طريق الهاتف, ولا عن طريق الإنترنت, حيث يملك المُرَاوَد ما يملك المُرَاوِد من التحرك في المكان.
بعض الشباب يظن أنه مُحاصر, وأنهم يُرَاوَدُون عن أنفسهم, ويتوهَّمون ذلك, يمشي أحدهم خلف الفتيات, ويتَّصل بهنَّ بإحدى وسائل الاتصال الحديثة, ويذهب إلى البيت أو المكتب باختياره, ثم يقول: هي راودتني, يا شبابنا هؤلاء يخادعونكم, هؤلاء هم الذين يعرِّضون أنفسهم للفتن. هم أطلقوا أبصارهم أولاً, ثم تسمَّعوا ثانياً, ثم تكلَّموا ثالثاً, ثم ساروا بأقدامهم إلى مواطن الفتن باختيارهم رابعاً, ثم وقعوا في الفاحشة خامساً.
حدِّد هويَّتك:
أيها الشاب المسلم حدِّد هويتك ظاهراً وباطناً, فكن متأسِّياً بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً, راقب الله بسرِّك واجعل مظهرك الخارجي مظهر إنسان مسلم كساه الله بالهيبة والوقار.
انظروا إلى شبابنا أيها الإخوة, هم الذين يلفتون النظر إلى أنفسهم حتى يقعوا هم ويوقعوا غيرهم في الفتنة, انظروا إلى ثيابهم, وانظروا إلى شعورهم, وانظروا إلى لحاهم كيف يتفنَّنون بها, يلبسون ثياباً ملفتة للنظر, ويقصون شعورهم قصة المخَنَّث, أو الشاب المائع, ويرسمون لحاهم رسماً يشدون الأنظار إليهم, يَفتِنون ويُفْتَنون, وأرجو الله تعالى أن لا ينطبق عليهم قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق}.
أيها الشاب المسلم كن في لباسك متميِّزاً, وفي قصة شعرك متميِّزاً, وفي لحيتك متميِّزاً, لا تحاكي الآخرين في لباسك وشعرك ولحيتك, كن كالشامة بين إخوانك في جمالك وأنت مبتعد عن مسالك الشباب المنحرفين.
اجعل شعارك {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}:
أيها الشباب: اجعلوا شعاركم {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} قولوا بلسان الحال والمقال: نحن لا نقابل نعمة الله علينا بكفرها, نحن لا نقابل نعم الله علينا بمعصية, نحن على يقين بأن ما أعطانا الله إياه إنما هو اختبار لنشكر أم نكفر؟ فنحن شاكرون لله عز وجل على ما أسبغ علينا من نعم, نحن نريد أن نصل إلى بشارة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ, وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ, وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ, وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ, وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ, وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ, وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) رواه البخاري ومسلم. نحن لا نرتبط بأنثى إلا عن طريق شرعه الله عز وجل لنا.
واجعل شعارك {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون}
أيها الشباب: قابلوا هذا المجتمع الذي ظلمكم بقوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون} قولوا لهذا المجتمع: أنا لست من أولئك الذين يُراوَدون عن أنفسهم بالإغراءات, أنا لست ممن يقابل الظلم بالظلم, أنا لست ممن تستجرُّهم الأهواء والشهوات, أنا لست ممن يظلم نفسه, ولست ممن يظلم غيره, أنا ممن يقول: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد}.
فإن قلت هذا, أقول لك: جاءتك البشارة التي جاءت لمؤمن آل فرعون: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب} سوف يقيك الله عز وجل من الفتن ما ظهر منها وما بطن, وسوف يخرجك من الضيق كما أخرج الثلاثة الذين آواهم المبيت في الغار.
يا شباب اعلموا بأن المعصية تذهب لذَّتُها وتبقى مرارتها, كما أن الطاعة تذهب مشقَّتها وتبقى حلاوتها.
يا شباب تذكروا قول الله تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ}, فاجعلوا رصيداً لكم عند الله عز وجل من عفة السمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج, اجعلوا رصيداً من الطاعات لأنفسكم في أيام شبابكم لأيام شيخوختكم.
يا شباب والله لا أريد لكم أن تندموا في ساعة لا ينفع فيها الندم, عليكم بالعفة والطهارة {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين