حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا -1-

-1-

يقول الله تعالى في كتابه الكريم في سورة آل عمران آية 96 و97:( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )

هذه أيام فريضة من أعظم فرائض الإسلام وركن من أهم أركان الدين وهو حج البيت الحرام الذي جعله الله عزوجل دينا على المستطيع ينبغي أن يؤدى لله الخالق العظيم واهب النعم مرة في العمر ولذا من أنكره أوجحده فهو كافر مرتد خارج عن ملة الإسلام يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما :  ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا )والحج يعني في شريعتنا الغراء : قصد مكة المكرمة البلد الحرام أم القرى وأطهر بقاع الأرض في  زمن معين وهوأشهر الحج بهيئة معينة وهي الإحرام لأداء عبادة الطواف حول البيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة في يوم التاسع من ذي الحجة والمبيت بمنى ورمي الجمرات وأداء سائر المناسك إستجابة لأمر الله عزوجل وابتغاء مرضاته  رغب الشارع الحكيم في أداء هذه الفريضة والقيام بها على أكمل وجه وأتمه وبين لنامعلم البشرية ومخرجها من الظلمات إلى النور  صلى الله عليه وسلم أن الحج من أفضل الأعمال وأعظم القربات التي يتوجه بها العبد لخالقه فقد جاء في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال :( سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال : إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا؟ قال :جهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا؟ قال :حج مبرور )وفي الصحيحين أيضا عن أبى هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) وقيل في بر الحج أن يعود منه صاحبه زاهدا في الدنيا يعني ليست في قلبه ويكون مقبلا على الآخرة وقيل :أيضا الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم وفي بعض الأحاديث أن بر الحج يكون بلين الكلام وإطعام الطعام 

وعرفتنا السنة المطهرة أن الحج لون من ألوان الجهاد جاء عند الطبراني في الكبير والأوسط ورواته ثقات وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يارسول الله إني ضعيف وإني جبان لاأقوى على الجهاد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (هلم إلى جهاد لاشوكة فيه الحج هو جهادالضعيف والكبير والمرأة )وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:قلت يارسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ تعني النساء فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :  (لكن أفضل الجهاد وأجمله الحج المبرور )تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : فلا أدع الحج بعد أن سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم 

والحج كذلك فرصة عظمية وسبيل لتكفير الخطايا والسيئات  فقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم :(من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته )

ويتضح ذلك أيضا في حادثة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه كما وردت عند مسلم وابن خزيمة في صحيحيهما قال سيدنا عمرو :لما جعل الله الإسلام في قلبي وشرح الله صدري للإيمان أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أبسط يدك يا رسول الله لأبايعك قال عمرو؛ فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ولكني قبضت يدي فقال : مالك يا عمرو؟ قلت :أشترط يارسول الله قال :ماذا تشترط؟ قلت : أن يغفر لي قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ماقبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ماقبله ومن هنا نعلم أنه إذا أدى المسلم فريضة الحج بإخلاص نية ونقاء عقيدة وطيب نفقة غفر الله له ماسلف من ذنوبه يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره وصححه :(تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ) ومؤدي الحج والعمرة  في معية الله عزوجل إنه زائر لبيت ربه وافد على مولاه فلن يخيب الله له رجاء ولن يرد له دعاء وإنما سيكرم وفادته ويجزل له المثوبة والعطاء فقد جاء في الحديث عند النسائي وابن ماجه وغيرهما قوله صلى الله عليه وسلم؛:( الحجاج والعمار وفد إن دعوه أجابهم وإن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم )

والنفقة في الحج والعمرة تعدل النفقة في سبيل الله أجرها عظيم وثوابها جزيل ومخلوفة على باذلها طالما كانت من حلال 

ومن فضل الله ورحمته وتيسيره على عباده أن جعل الفرض في الحج مرة واحدة روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال :خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقال رجل:يارسول الله أفي كل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال صلى الله عليه وسلم : لو قلت نعم لوجبت ولمااستطعتم ذروني ماتركتكم الحديث )و أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة  وترك فريضة الحج والتقاعس عن أدائها والتفريط فيها مع القدرة والإستطاعة المالية والبدنية أمر خطير  وإثم كبيرخاصة إن لم ينشغل المسلم بالتفكير وإعداد نفسه للحج طالما كان واجدا فالمولى عزوجل ألزم القادرين بالأداء حيث قال :(ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا )واللام هنا في لفظ الجلالة تفيد الإلزام كما قال أهل اللغة وعقب سبحانه وتعالى بقوله في ختام  الآية الكريمة :(ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )فكأنه عزوجل يجعل عدم الحج مع القدرة عليه كفرا أو من الأسباب التي تؤدي للكفر خاصة إذا كان الترك بإنكار وجحود وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(من ملك الزاد والراحلة ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا اونصرانيا ) وعند أحمد وابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة)

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ييسر لنا وللمسلمين أمرالحج وأدائه على الوجه الصحيح وأن يتقبل منا ويقبلنا في عباده الصالحين المقبولين 

وللحديث بقية 

الراجي عفو ربه 

فايز النوبى

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين