أمة أقرأ لا تقرأ - اقرأ
مقال للشيخ حسان الهندي
أمة أقرأ لا تقرأ
بقلم الشيخ: حسان الهندي

 
في ذات مساء اجتمعنا في مجمع ضم مجموعة من شبابنا وبدأنا نتذاكر العلم والمعرفة وبدأ كل واحد يدلي بما وصل إليه من كتب حصلها فهذا يقول لقد جمعت من الشبكة العنكبوتية آلافاً مؤلفة من الكتب وهذا يقول لدي من المكتبات العامرة بكل قديم وحديث وثالث يقول لدي مكتبة فيها من كل شرق وغرب وجعلت أسمع وتغيب عني الأرقام فقاطعتهم سائلاً كم قرأتم من هذه الكتب وكم حفظتم منها وكم صفحة تطالعون في اليوم فتعجبت من ذلك الذهول الذي أصابهم كأنما حل بهم طارق طرق قلوبهم بكل مخيف وجعل بعضهم ينظر في بعض كأنما سألتهم سؤالاً لم يخطر في بالهم و واجهتهم بحقيقةٍ غابت عنهم وأيقظتهم من حلمٍ سعدوا به كثيراً وأخرجتهم من وهم فرحوا به طويلاً وفهمت من حالهم أنهم لم يقرؤوا منها شيئاً ولم يطَّلعوا منها على كتاب فقلت يا أسفاً على أمة تحوَّل همها من قراءة الكتب ومطالعتها إلى جمعها والمفاخرة بها تحوَّل همها إلى التباهي بعددها والتكاثر بمجموعاتها لقد كان السلف يحلمون بكتاب يستعيرونه ليقرؤوه وبمجلد ليستنسخوه ويبذلون الغالي والرخيص ليحصلوا على كتاب ولم يكونوا يكتفوا بمجرد القراءة والإطلاع بل كانوا لا يرضون إلا بالحفظ عن ظهر قلب وذكرت قصة ذلك الشيخ الذي أرسل إلى أخيه أن أرسل إليَّ كتاب كذا ليوم واحد فجاءه الخادم به في المساء فهيأ له مكان نومه فنام الخادم واستراح وقام الشيخ الليل كله يقرأ الكتاب فرده إلى أخيه في الصباح وقد كتب منه تعليقات ولعلنا نعجب عندما نعلم أن الكتاب كان أربعة مجلدات مخطوطة وقد مر رجل بمسجد فوجدهم يختلفون في عبارة للإمام السرخيسي فصححها لهم فقالوا له وما علمك بذلك قال إني أحفظ كتاب السرخسي عن ظهر قلب ولعلنا نعجب عندما نسمع أن كتاب السرخسي ستة عشر مجلداً وعندما أغرق هولاكو مكتبة بغداد حزن عليها الأمير كثيراً فقيل له إن الواحدي يملي لك ألف كتاب من حفظه فقلت سبحان الله كم سهل علينا العلم وقصرنا في التعلم وكم تيسرت علينا القراءة ولم نقرأ وأصبح الكتاب بين أيدينا فزهدنا فيه أينفعنا أن نتفاخر بجمع الكتب إذا لم نقرأها أينفعنا أن نستبدل بكم كتاباً قرأت قولنا كم كتاب في مكتبتك وإذا ملك الإنسان منا المئات والآلاف من الكتب ولم يعرف حتى عناوينها أو أسماء مؤلفيها ماذا قدَّم هذا الإنسان لنفسه أو لغيره أو لأمته بل إن مجموعة من الكتب القليلة التي نقرأها ونتقنها لهي أنفع لنا ولغيرنا من مكاتب نمتلكه ولا نعرف عنها شيئاً خصوصاً ونحن في عصر أصبح الكتاب سهل المتناول قريب المأخذ لا يكلف إلا أن تدخل إلى موقع من مواقع الشبكة العنكبوتية فتسحب منها آلاف الكتب ومئات المجلدات وأن تملأ العشرات من الأقراص الصلبة واللينة بهذه المكاتب وأن يأتي إليك أخٌ لتفتح بين يديه هذه المكاتب مفتخراً ولكن عد إلى نفسك بحياء وأوقفها أمام الحقيقة أنك لم تقرأ من هذه الكتب شيئاً ولم تطلع على قليل منها أو كثير ويا خجلتاه عندما نستمع لخطاب الله لهذه الأمة في كتابه الكريم ( أقرأ ) فما بال أمة أقرأ لا تقرأ .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين