الدعوة في الخطاب الديني - محاضرة للشيخ محمود أبو الهدى الحسيني
محاضرة الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في الدورة التأهيلية للأئمة والخطباء المقامة في الثانوية الشرعية بحلب وقد ألقى الدكتور الحسني هذه المحاضرة في يوم الأحد 22/جمادى الأولى/1430 الموافق17/5/2009

الدعوة في الخطاب الديني

د. محمود أبو الهدى الحسيني
خطيب جامع العادلية ومدرسه

الدعوة في الخطاب الديني
1.    تمهيد  في معنى الخطاب الديني الإسلامي
قبل الحديث عن الدعوة في الخطاب لا بد من تحديد دلالة لفظ (الخطاب)
فقد يلتبس معنى (الخطاب) بمعنى(الخطابة) ودلالة لفظ (الخطاب) ليست مطابقة لدلالة لفظ (الخطابة) لأن الخطابة هي شكل من أشكال الخطاب، الذي تندرج فيه المحاضرة والحديث الوعظي والمقالة والكتاب...
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ {23}ص
غلبني ببيانه
فالخطاب: تبيين يحمل في ألفاظه مضموناتٍ يُرادُ إيصالها إلى المتلقي.
وحتى يكون الخطابُ الديني إسلامياً عليه أن ينبثق من مقاصد الشريعة، وأن ينسجم مع روحها، وأن لا يتجاوز أصولها الثابتة ونصوصها القطعية التي لا يصح الخروج عليها.
2.    سلبيات الخطاب الحاضر:
لكن هل واقع خطابنا الحاضر يعبر عن الخطاب الإسلامي الذي من المفترض أن يكون:
-  منبثقا من ينبوع الشريعة.
- وبالغا جفاف أرض القلوب.
- ومحييا مواتها.
- ومثمرا أكلها؟
أم أننا نخاطب بخطاب قاصر، لا يبلغ الناس، ولا يلامس واقعهم، ولا يلبي حاجتهم، ولا يعالج عللهم، ولا يرتقي بهم إلى مراقي صلاحهم ونهضتهم وحيويتهم؟
فمن أبرز سلبيات الخطاب الحاضر:
1-    السردية العجولة، يسوق الأخبار والآثار والحكايات والعبر والعظات دون أن يتساءل عن الذي تم تقديمه هل كان سوقه مناسباً لأولويات المخاطبين وحاجاتهم أم لا؟.
2-    الانشغال عن أهداف الخطاب بمقاصد غريبة عنه:
فمنه الانشغال بمديح الذات، من أجل جذب المزيد من الأنصار والأتباع.
ومنه الانشغال بتكرير فضائل المرجعيات التي أسهمت في صناعة خطابنا.
ومنه الانشغال بالتدافع الذي يتولد بين الجماعات فتلقي بسببه الأهواء على العقل ما يشبه الغشاء أو النظارة، فيرى من خلالها ويصدر الأحكام ملونة بألوانها
ومنه الانشغال بالرد على الخصوم مع نسيان رسالة الدعوة والبناء.
3-    البعد عن الموضوعية لاسيما بالمبالغة والتهويل
وقد عانى بعض تراثنا من المبالغة الكلامية، وتلك المبالغة كانت عامة وشاملة لكتب التاريخ وكتب الأدب والسرد والقص , والدواوين الشعرية ونجد فيها من المبالغة في المدح والوصف ما يشعرنا بالأسف.
وربما كان المحدثون أفضل من نجا منها بسبب اهتمامهم بأصول النقل والتحديث واهتمامهم بعلم الرجال وعلم الجرح والتعديل.
ومن أشكال المبالغة إبراز سيئات الخصوم ونقائصهم على نحو يشعر المتلقي بأن الذين يتحدث عنهم مجردون من أي فضيلة ، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة: 8] ,وأخبرنا سبحانه بوصية شعيب عليه السلام لقومه حين قال: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأعراف: 85]
ومن المبالغة أننا ربما في أحيان كثيرة نسحب عصمة المنهج الرباني الأقوم على بعض أساليبنا، وننسب لأنفسنا بالتالي قدسية النص المقدس من غير دليل قطعي منه.
4-    التعميم والجهل بالتنوع والتدرج في واقع المخلوقات، وفي سلوكيات البشر:
وقد وضح لنا القرآن الكريم تفاوت عداوة غير المسلمين، كما وضح لنا تفاوت أخلاق أهل الكتاب، وأنهم ليسوا على منهج واحد، يقول تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[المائدة: 82] وقال سبحانه: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: 75]
 مثلا قد يصور بعضهم  الغرب وكأنه صف واحد، ولا يفرق بين شعوبه وحكوماته، بل ولا يفرق بين حكومة معتدلة أو متطرفة فيه، ثم يجعل ذلك الصف الواحد متماسكا من أجل مقاومة الصحوة الإسلامية، وهذا الكلام كله يفتقر إلى معرفة الواقع المخالف.
5-    المثالية:
وهي تستحوذ عواطف الجمهور، كقول بعضهم: إننا أحوج ما نكون إلى إنسان يستغني عما عند الغربيين، من كماليات وترفيات وترفيهات، إنسان قادر على ضبط نفسه بالقناعة والزهد يعيش على نصف بطنه ، ويشد عليها الحجر ، ويقول ما قالت العربية ميسون:
لبيت تخفق الأرواح فيه        أحب ألي من قصر منيف.
إن هذا الكلام مثالي ولا يطبقه قائله وهو غير قابل للتطبيق، ولو طبقه أحد فهو أندر النادر.
إن الله جل وعلا يعلمنا في العديد من الآيات القرآنية كيف نفقه نقاط الضعف البشري، وكيف يمكن أن تكون مراعاتها. قال الله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[البقرة: 145]
6-    الانغلاق:
قد يتمثل الانغلاق في الخوف على أتباعنا والمحسوبين علينا؟
وقد يكون الانغلاق في تكوين صورة عن الآخر ومحاكمته باستمرار على أساس تلك الصورة.
وقد يكون الانغلاق بشكل وثوقية زائدة بفكرة يحملها صاحب الخطاب مع نظرة الاستخفاف بما لدى الآخرين وقد يكون الانغلاق رفض الآخر تماما، وهو يتنافى مع روح الدعوة وأمل الإصلاح الذي يتوجه إلى كل الأصناف البشرية مهما كانت سوداوية في سلوكها.
7-    الإسراف في الوعظية والتوجيه المباشر القاسي بالأمر والنهي إلى حد الوقوع في آفة التكرار الممل، والمطلوب زرع البذرة قبل السؤال عن ثمرتها.
8-    الاهتمام بالألفاظ المنمقة ولو كانت فارغة من المضمون العملي:
ومثل هذا الخطاب هو إلى أن يكون خطاب ضجيج أقرب من أن يكون خطاب توعية وتغيير وإصلاح: ........ ...... ......  ما هكذا تورد يا سعد الإبل
9-    نشر الإحباط في الأمة بالحديث أننا وصلنا إلى قعر الهاوية، وأن ما نحن فيه من ضعف لم يمر مثله أو أسوأ منه على الأمة في تاريخها الطويل. وإن تلك التحليلات تفتقر إلى الدقة، إذ أن من الواضح أن السقوط لا قعر له، إذ كلما قلنا: إننا وصلنا إلى منتهى السوء كان هناك ما هو أسوأ . ولهذا فليس لأحد أن يقول: إننا في وضعية هي الأسوأ ، كما أن معلوماتنا عن حدة المشكلات الأخلاقية والاجتماعية التي عانى منها المسلمون في القرون السابقة غير جيدة ولا كافية حتى نتمكن من المقارنة. إن تغيير اتجاه الواقع أو تحريك ركوده، ليس بالأمر اليسير، كما هو واضح،
هناك اليوم من يؤكد أن الأمة سائرة في طريقها إلى الفناء، فقد حلّ آخر الزمان، ودنت الساعة، ومن ثم فلا فائدة من السعي ولا ثمرة للعمل ما دمنا متجهين نحو العدم.
10-    الخطاب المتوتر الذي يعاني من الحدة:
فالنقد اللاذع مهيمن على بعض أوساط الخطاب الديني ، وكذا الهجوم العنيف على المخالفين والمناوئين ولا شك أن الدافع إلى هذا كثيراً ما يكون الإحساس بالغيرة الحميدة على حرمات الدين وكرامة الأمة ومستقبلها، لكن العملية التربوية والإصلاحية تطلب هدوءا ومعالجة واقعية أكثر من عواصف الانفعال.
وبعض الكلام يقتل، وبعضه يجرح، وبعضه يرفع، وبعضه يدل على الخير ويمهد سبله، وبعضه يدل على الشر ويمهد سبله، ولهذا فلابد من التحلي بالحرص الشديد في ألفاظ الخطاب وانفعالاته.
إن درجة من العاطفة والحرارة المعبرة عن الصدق والاهتمام والجدية، تظل مطلوبة لنجاح الخطاب الإسلامي، لكن بشرط أن نكون على وعي بالفارق بين الانفعال والتفاعل، فالانفعال يتصل بردود الأفعال، وهي غالباً غير متزنة، والمنفعل يتسم بالآنية وقصر النفَس، أما التفاعل فإنه يعني امتلاك القابلية للاستفادة والاقتباس والتغيير والإصلاح ، وهو يقوم أساساً على الاعتقاد بأننا غير كاملين، ونكون قابلين بهذا للتفاعل بدلا من الانفعال.
11-    عدم فهم ظروف المخاطَب، واستعمال قوالب الخطاب مسبقة الصنع التي تعمى عن بيئة المخاطب وظروفه، وأكثر إخفاقات الخطاب الإسلامي سببها  أننا لم نستطع الدخول إلى عالم المخاطبين على النحو المطلوب لنعرف ما يحفزهم على الاستجابة، وما يحول بينهم وبينها.
12-    تجاهل الواقع العولمي الجديد:
فقد انتشرت في العالم اليوم قوى تثقيفية جبارة من الانترنت والفضائيات والأعمال (الدرامية) وهذه القوى تقوم بصناعة الثقافة الشعبية وتوجيهها. ولن نستطيع فهم الواقع إلا إذا عرفنا هذه الثقافة ، التفاعل مع الواقع يعني فهم الظروف المحيطة بالناس وفهم نقاط الضعف المتأصلة في طباعهم وفهم الضغوضات الهائلة التي تفرضها عليهم الحضارة المادية الحديثة.
13-    الفجوة بين ما نقول، وما نفعل:
والله تعالى يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: 2-3] والمسافة بين القول والفعل هي عين المسافة بين الصحة والمرض.

3.    كيف نرتقي في الخطاب:
1-    إحضار مقصود الدعوة في الخطاب:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ {33}فصلت
والدعوة إلى الله هي غير الدعوة إلى النفس والمكاسب الشخصانية، ولن يتحقق هذا الإخلاص في المقصد إلا بذكر الله و مجاهدة النفس.
2-    الانسجام بين القول والفعل:
وَعَمِلَ صَالِحًا {33}فصلت
بموافقة الاستقامة الشرعية وهجر النفس لأهوائها المخالفة للشريعة ولو بالمجاهدة
3-    الانتماء إلى الإسلام بدلا من الانتماءات الضيقة:
 وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {33}فصلت
فالانتماءات الضيقة قد تكون أداة مفيدة لجمع الهمة وتصفية المقاصد، لكنها تنقلب إلى داء قاتل حين تتحول إلى هدف يعمي الدعاة عن رؤية روابط الإيمان الكبرى بين أفراد الأمة
4-    الارتقاء المعرفي والثقافي عن طريق الاطلاع والتواصل مع القنوات العلمية والثقافية المختلفة،
لا يمكن تقدم الخطاب ليكون موضوعيا ودقيقا دون  إعادة التأهيل المستمر
- بإدامة القراءة في المصادر الصحيحة والمراجع المعتمدة والموسوعات الحديثة الموثوقة.
- وحوار المتعلمين والمثقفين.
- والاطلاع العام المختصر على بدهيات العلوم الكونية من مصادرها الموثوقة (وهي من سنن الله في الكون والإنسان) واجتناب نقل معلومة كونية في الخطاب من غير توثيق توهما أنه بهذا يخدم الإسلام.
فمعرفة سنن الله تعالى في الكون والإنسان تجعل الخطاب عميقَ الصلة بالواقع والجهل بسنن الله في الكون والإنسان يجعل الخطاب سطحيا وبعيدا عن الواقع..
والخطاب هو انعكاس لشخصياتنا وقناعاتنا التي انتهينا إليها، ومن المؤكد أن الأرضية الثقافية لصاحب الخطاب تؤثر في مستوى الخطاب، كما أن الخبرة التراكمية الإصلاحية والتربوية تؤثر في مستوى الخطاب.
5-    الاعتراف بالقصور الإنساني ووترك الادعاء بمعرفة ما لا يعرف، وإحالة المجهول عنده إلى أهل اختصاصه من غير خجل:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: 85] {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: 36] {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[النجم: 28]
6-    توخي الدقة في استعمال الكلمة الدالة على المدلول المحدد
فوعي الخطاب يتطلب الفهم الدقيق لمكوناته اللفظية والاصطلاحية وهو يحتاج إلى ثقافة علمية وعقلية.
(الوحدة، الانشقاق، التقدم، التخلف، الالتزام، الإصلاح...)
إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار) صحيح البخاري أخرجه الترمذي وغيره. وقوله : (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أنه تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أنها تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما. يشكل حضاً لكل مسلم في أن يتأمل في كلامه قبل أن يفتح فمه
فالخطاب الإسلامي مطالب بالوقوف في تقريراته عند حدود الأدلة الصحيحة نقلا والبراهين المعتبرة عقلا وتجربة في إطار معطيات العلم.
7-    الانفتاح على العالم لا يسوقنا إلى التحلل الخلقي حين. نفرق بين القيم والأدوات، فاستخدامنا للأدوات والآلات الغربية تطور لأنهم سبقونا في هذه المرحلة الزمنية، ومعاداتها غباء لكن استيراد القيم إشكالية سلوكية ومبدئية.
على أن هناك قضايا لا يستطيع الخطاب تجاوزها مهما كان نوعه (إسلاميا أو غير إسلامي)  فهي قضايا كبرى مثل الجهل، والفقر ، والمرض، والبطالة، والتفكك، الاجتماعي، والتعليم، والمرأة، والتربية، والطفولة.. ومما يثري الحديث حول هذه القضايا والاهتمام فهم ما لدى الآخرين والمقارنة معه وهو أساس لإنضاج الوعي.
إذا أردنا للخطاب الإسلامي أن يكسب فإن على العلماء والمفكرين أن يضفوا عليه مسحة بنائية إيجابية، نحو
8-    النـزول بالخطاب إلى مشاكل الناس القريبة ولمس أوجه معاناتهم فلن يتسم الخطاب الإسلامي بسمة (العملية) إذا أسرفنا في إطلاق الكلمات الرنانة النظرية والعاطفية، بل علينا أن نحاول ترجمة التزامنا بديننا بالعمل من أجل مصلحة المجتمع
وبهذا يكون الخطاب قد تنوعت اهتماماته وأغراضه، والخطاب الذي يبتعد عن الواقع يفرض في النتيجة على نفسه نوعاً من التهميش والعزلة.
إن الحديث مع ناس عاطلين عن العمل يجب أن يتركز على كيفية مساعدتهم على العثور على فرص عمل، وإن الخطاب الموجه إلى الشباب ينبغي أن يهتم بمسائل الاختصاص العلمي والزواج وشؤون المستقبل. أما الخطاب الموجه إلى التجار ورجال الأعمال فينبغي أن يركز على أخلاق المعاملات مع التحذير من الغش والخداع وأكل الربا، .... الخ.
 ويفيد في الأسلوب العملي  أن نحاول إثارة الأسئلة في الخطاب بدلا من الأسلوب التلقيني الصرف، ونحن بهذا ندرب أذهان المتلقين على محاولة الإجابة، ونشعره بأن له دورا في الجواب،
ومن المفيد أن يقلل الخطاب الإسلامي من كلمة (يجب) إلى كلمة (كيف).
وإذا طلبنا من الناس أن يحرصوا على التخلص من عادة سيئة كالتسويف علينا أن نعلمهم كيف يضعون جدولاً لتحركاتهم اليومية، وكلما انتهى المرء من قضاء أمر شطبه. وإذا انتهى اليوم ، وبقي في الجدول شيء فإنه يرحله إلى اليوم التالي.
وحين نحاول الإجابة على بعض التساؤلات فيحسن استكشاف نتائج الخطاب العملية التي ينتجها توجيهنا في الخطاب ، فالداعية المصلح لا يختلف عن طبيب كتب وصفة علاجية لمريض، فهل يجددها له كلما انتهت العبوة الموصوفة، ويستمر في ذلك عقوداً من الزمان دون أن يسأله عما إذا كان يتحسن بسبب تناول ذلك الدواء، ودون أن يسأله عن الأعراض الجانبية التي يسببها له ذلك الدواء.
9-    كلما اتجه الخطاب إلى الأصول والكليات والقواعد الكبرى يصادف الإجماع أو ما يشبه الإجماع، وحين يتجه إلى المسائل الصغرى والجزئيات الفرعية والأساليب الخاصة فسوف يجد أمامه كثيرا من الاختلاف.فلا بد من الاتساع العلمي المنهجي للخلافات العلمية الجزئية  وبصدقنا نعبر عن احترام بعضنا لبعض، احتراما للمنهج العلمي الذي نؤمن به. وكم نشأت من خلافات عكرت القلوب من أجل قضايا فقهية خلافية، لم يستطع الفقهاء عبر القرون حسمها وإيجاد إجماع عليها، ويسعى بعضنا اليوم إلى حسمها بنوع من المكارهة العلمية، فالداعية المخلص يشجع على أعمال الخير، ولو كان له فيها اجتهاد  مغاير.(وهو من أدب الخلاف).
ونحن نشاهد اليوم بين الدعاة من يتحدث في كثير من الأمور الفرعية بالقطع والجزم، ويدافع عن آرائه دفاع المستميت ملغيا كل إمكانية للاجتهاد ورادًّا لأي نوع من الخلاف.
والأمور الإجرائية والتنظيمية تختلف بين زمان وزمان ومكان ومكان وهي مرتبطة بالتقدم الحضاري، ومن لطف الله بعباده قلة النصوص الشرعية الواردة في الجزئيات، لتكون القواعد مرجع العلماء في الظروف المختلفة.
10-    يساعد على التحول من الخطاب السلبي المؤلم إلى الخطاب الإيجابي الذي يبعث الأمل ويخلص المجتمع من الإحباط تعريف الناس بمواطن القوة لديهم بتعريفهم أن تخصص كل واحد منهم يساهم بعبادة إسلامية عملية، من خلال الإتقان والتميز والتكامل مع مجتمعه، ومحاولة بعث روح المبادرة .
وفي الحديث الصحيح: (لا يحقرن أحدكم شيئاً من المعروف،فإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طلق) فكثير منن الناس يزهدون في الأعمال الصغيرة ، ولا يقيمون لها وزنا، وهي عند الله تعالى عظيمة.
ينبغي أن نبث الأمل والاعتقاد بأن لدينا شيئًا نقدمه للأمة. ونحن نثق بصواب المنهج الإسلامي العام وملامسته للفطرة، ونعتقد بأننا إذا أخلصنا وصدقنا فإن الله سيعيننا على بلوغ الكثير من أهدافنا، وإذا أصابنا القنوط من تغيير مجتمعاتنا والارتقاء بواقعنا، فإننا نتحول فوراً من رواد نهوض وإصلاح إلى أن نصبح جزءاً من مشكلات الأمة.
ومن المناسب سوق الصور الإيجابية في حياتنا المعاصرة من غير مبالغة ولا تهويل ولا تجاوز للحقيقة. ولدينا ناجحون كثيرون في أعمالهم، ولدينا إنجازات عملية كثيرة.
11-    لا ينبغي تجاهل الذوق الجديد الناتج عن الانفتاح المعلوماتي فهناك ظواهر جديدة مرصودة في هذا الذوق الجديد منها:
•    استهانة الجيل الجديد بالعقبات نتيجة تحسن الثقة الشبابية بالنفس واكتشاف القدرات.
•    تعبير الجيل عن القلق بسبب رؤيته للفرص الضائعة والإمكانات المهدورة والأخطار المحدقة
•    الرغبة العارمة في حرية البحث، والنفور من الانقياد إلى الأفكار والتقاليد الموروثة أو السائدة
والنفور من الكلام الجازم القاطع الذي يظهر قائلة درجة عالية من الثقة بمعرفته وفكره ورأيه. وهذه الظاهرة ناشئة من روح الشك السائدة في العصر الجديد، ونابعة من وفرة المعلومات التي تؤمنها الشابكة (الانترنت).
•    انتشار ثقافة التعاون والتواصل بين الشباب ومعاداة الشدة والعقاب.
•    محاولات الإبداع بقطع النظر عن نتائجها، وتجاوز عقدة الخوف من الخطأ.
•    ويقترن ما سبق بالشعور الواقعي بالضعف والحصار، والشعور بالضعف قد يسبب فقدان التوازن، حيث يخبط المرء في كل الاتجاهات من غير تركيز.
فحين لا نراعي هذا المزاج الجديد في خطابنا الإسلامي لن نقدر على الدخول إلى قلوب الجيل الجديد وسوف يكون متمردا على كل أنواع الخطاب التي يسمعها أو يقرأها.
إن من فقه الداعية أن يلاقوا من يحاولون التأثير فيهم في منتصف الطريق، بمعنى أن يتقدموا خطوة نحوهم، ويطلبوا منهم أن يتقدموا نحوهم خطوة.
وهو يتطلب في الداعية:
•    مرونة ذهنية وقدرة على الاستيعاب وفهم الآخرين.
•    طاقة روحية عالية
•    استجابة لتحديات العصر وتلاؤم مع متطلبات العيش فيه في إطار الثوابت الإسلامية.
•    التدريب على الفعل، دون تحول إلى مجرد ردود أفعال. وكان أحد المصلحين يقول: لا تنشغلوا بالرد على الشيوعيين، ولكن ركزوا جهودكم على بيان الإسلام الصحيح.
•    
12-    للبيئة أثر كبير في إخراج الرجال العظماء وإظهارهم وحين نذكر المآسي والنكبات التاريخية مستحضرين  بعض الشخصيات الإسلامية الفذة، فعلينا أن ندرك أن الحلول المعاصرة مع دخول التعقيدات الجديدة لا ترتكز على انبثاق أفراد بمقدار ما تحتاج إلى جهود جماعية ومؤسساتية.
وأخيرا:
فهذه البنود ليست ورقة عمل حصرية لكنها تفتح أفق البحث في تطوير خطابنا، وتشارك في إثراء أفكاره، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين