الإسلام وصلاح العمل - صلاح العمل

الحمدُ للهِ ربِّ السمواتِ والأرضِ ربِّ العالمينَ ، ولهُ الكبرياءُ في الخ

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ على سيدِنا محمدٍ ، خيرِ معَلمٍ وأهدى دليلٍ ، وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ ، ومنْ تبعَهم على قويمِ النهجِ وسواءِ السبيلِ .

وبعدُ أيُّها المسلمونَ ! إنَّ الإسلامَ دينٌ وعلمٌ وحضارةٌ ، وتنافسٌ وعملٌ ، وذلكَ هوَ ما تقضي بهِ أصولُه وقواعدُه ، وأوامرُه ونواهيهِ ، وقدْ وردَت آياتٌ كثيرةٌ في الكتابِ الكريمِ تحثُّ على العملِ الصالحِ وتنهى عنْ البطالةِ والكسلِ : [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {التوبة:105} . [فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ] {الأنبياء:94} .

وقدْ كانَ الرجلُ في فجرِ الإسلامِ يأتي فيبايعُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الدينِ ، ثمَّ يبادرُ فيأخذُ مكانَه منْ الصفوفِ مجاهداً لنشرِ الدعوةِ أو مدافعاً يذودُ الأعداءَ عنْ حرمِ الإسلامِ .

ومنْ تدبرَ القرآنَ وعرفَ سنتَه في تهذيبِ الأخلاقِ وصلاحِ الأعمالِ عرفَ أنَّ ذلكَ هوَ سننُه المستقيمُ ، وطريقُه المبينُ ، وهذا التهذيبُ والتثقيفُ فيهِ ، يدورُ على أمرينِ فطريينِ : مجاهدةُ النفسِ بالتخلي عنْ الهوى ، والتحلي بفضيلةِ التقوى ، وقدْ تكررَ فيهِ ذمُّ اتباعِه الهوى والنهيُ عنْه ، وتعليلُه بأنَّه يصدُّ متبعَه عنْ الحقِّ والعدلِ في كثيرٍ منْ الآياتِ ، وتكررَ ذكرُ التقوى والمتقينَ في أكثرَ منْ ذلكَ ، قالَ اللهُ تعالى : [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ] {الجاثية:23} .

يَنْعِي اللهُ على قومٍ عبادةَ الهوى ، والاندفاعَ في الأعمالِ منْ غيرِ قصدٍ صالحٍ ، أو غرضٍِ نافعٍ ، ويحثُّ المسلمَ على أنْ يكونَ صحيحَ القصدِ ، شريفَ النيةِ يرمي إلى نفعِه ونفعِ الناسِ ، ولا مراءَ في أنَّ الإسلامَ له القِدْحُ المعَلَّى ، في تربيةِ البواعثِ الطيبةِ ، وتقويةِ الدوافعِ الصالحةِ ، فإنَّه يأمرُ أهلَه بالتقوى ، وخشيةِ اللهِ في السرِّ والعلنِ ، وليسَ في الدنيا معَنْى منْ المعَاني الكريمةِ ، لا ينطوي في الأمرِ بالتقوى ، ومنْ ثمَّ يقولُ اللهُ تعالى :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا] {الأنفال:29} .

ومعنى ذلكَ : إنْ تتقوا اللهَ في كلِّ ما يجب أنْ يتقى بمقتضى دينِه وشرعِه ، وبمقتضى سنتِه في نظامِ خلقِه ، يجعلُ لكُم بمقتضى هذِه التقوى - مَلَكةً منْ العلمِ والحكمةِ ، تُفرِّقونَ بها بينَ الحقِّ والباطلِ ، وتميزونَ بينَ الضارِّ والنافعِ ، وفي ذلكَ أكبرُ دليلٍ على أنَّ الإسلامَ يُرتِّبُ على صلاحِ الأعمالِ أفضلَ الثمراتِ في الدنيا والآخرةِ ، وعلى أنَّه لا يُعْنَى بشيءٍ عنْايتَه بهذا المبدأِ العظيمِ في آثارِه .

وإنَّما نجحَ المسلمونَ الأولونَ ، ورفعوا ألويةً شرفَتْهم بالأعمالِ الصالحةِ ، والتفاني في نكرانِ نفوسِهم ، فاستوى لهم ميزانُ الحياةِ ، ولما نبذَ المسلمونَ كتابَهم ظهرياً ، وجعلوه نسياً منْسياً ، ومنْ توجَه منْهم إلى العملِ لمْ يكنْ له مقصدٌ إلا ما يوحي بهِ هواه ، والسعيُ وراءَ العظمةِ والجاهِ ، نزلَ بهم ما نزلَ بالأممِ قبلَهم ، وأصابَهم ما أصابَ غيرَهم ، وتلكَ نهايةُ كلِّ أمةٍِ ضعفَت في أعمالِها ، وانحرفَت في مقاصدِها ، وتهافَتَتْ على لهوِها ، وتركَت تقواها .

فاتقوا اللهَ أيُّها المسلمونَ ! وابتدروا ما ندبَكم إليهِ دينُكم منْ العملِ الصالحِ العائدِ نفعُه على الفردِ والمجموعِ ، معَ حسنِ النيةِ وسلامةِ القصدِ ، فقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ). رواه البخاري في كتاب بدء الوحي 1 ، ومسلم الإمارة 3530 ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وتدبروا أخيراً قولَ ربِّكم عزَّ وجلَّ : [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا] {الكهف:110} .

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها 6/4/2019

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين