النهي عن إقامة التماثيل - بدعة إقامة التماثيل

الحمدُ للهِ الذي قضى ببعثةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم على الوثنيةِ والأصنامِ ، أحمدُه سبحانَه وتعالى وأشكرُه على شريعتِه الصالحةِ للبشرِ على مدى الأيامِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ على سيدِنا محمدٍ ، المبعوثِ بخيريِ الدنيا والآخرةِ ، وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ ، بحارِ الهدى الزاخرةِ .
وبعدُ أيُّها المسلمونَ ! اتقُوا اللهَ واعلموا أنَّ عرى الإسلامِ تنحلُّ عروةً عروةً ، ويخرجُ الناسُ منْه أفواجاً كما دخلوا فيهِ أفواجاً ، ففي كلِّ يومٍ جرأةٌ على الدينِ ، ومهاجمةٌ لتعاليمِه ، وخروجٌ عنْ هديِه ، ومخالفةٌ لنصوصِه ، ومنْ عجيبِ اليومِ أنْ الحكومةَ عازمةٌ على إنشاءِ تمثالَ لبعضِ رجالِ الأمةِ الماضينَ ، زاعمةً أنَّ في ذلكَ تخليداً لذكراهُ ، وتقديراً لجهادِه .. سبحانَ اللهِ إلى متى نمشي وراءَ الأجنبيِّ في أعمالِه ، ونقلدُه في عاداتِه ، ونحنُ ندعي الوعيَ والفهمَ ، واليقظةَ والعلمَ ؟ فلقدْ صدقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذْ قالَ : ( لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، وَبَاعًا فَبَاعًا ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ ).
رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء 3197 ، ومسلم في كتاب العلم 4822 ، عن أبي سعيد ? .
عبادَ اللهِ نحنُ مسلمونَ قبلَ كلِّ شيءٍ ، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم هوَ الذي هدمَ الأصنامَ ، وكسرَ الأوثانَ ، فلا يليقُ بنا ونحنُ منْ أتباعِه أنْ ننقضَ ما بنى ، وأنْ نجعلَ منْ معصيتِه عملاً تسجلُه حكومتُنا ، وتسيءُ بهِ إلى الإسلامِ والمسلمينَ ، وتتخذُ منْ عملِها هذا معصيةً لا يجوزُ لمسلمٍ إقرارُها ، والسكوتُ عنْ إنكارِها .
إنَّ أبطالَنا الذينَ جاهدوا في سبيلِ اللهِ وقتلوا في سبيلِ اللهِ ، وختمَ اللهُ أعمالَهم بالشهادةِ لا يليقُ أنْ نكافئَهم على تضحيتِهم بمعصيةِ اللهِ ، ولا أنْ نجعلَ منْ اسمِهم تماثيلَ تعلنُ مصادمةَ الشرعِ ، ومحاربةَ اللهِ في دينِه الحنيفِ .
إنَّ شهداءَنا خالدونَ في القلوبِ ، خالدونَ في التاريخِ ، خالدونَ عندَ اللهِ تعالى ، وأحياءٌ مرزوقونَ ، فهلْ يرى أهلُ الضلالِ أنَّ ذلكَ كلَّه لا يتمُّ إلا بوضعِ حجرٍ في شارعٍ ، أو نصبِ صخرةٍ منْحوتةٍ في ساحةٍ ؟
هلْ نسيَ التاريخُ الرسولَ الأعظمَ صلى الله عليه وسلم والخلفاءَ الراشدينَ ، وخالداً وأبا عبيدةٍ ، وصلاحَ الدينِ ، رضيَ اللهُ عنْهم وأرضاهم ؟
أليسوا خالدينَ يعترفُ ببطولتِهم العدوُّ قبلَ الصديقِ ، والخصمُ قبلَ المُوالي ؟ إنَّه لمْ يكنْ لهم صورٌ ولا تمثيلٌ ، ولمْ تقمْ لهم نصبٌ ولا أحجارٌ ، فمنْ أرادَ تخليدَ ذكراهم فليعملْ سائراً على منْوالِهم ، وإحياءِ مآثرِهم وأخلاقِهم ، لا أنْ يطفئَ نورَهم الذي هوَ منْ نورِ اللهِ ، بدأَه فأضاءَه سيدُنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وورثةُ دينِ اللهِ ، وإلا يكنْ ذلكَ فنحنُ مسيئونَ لا محسنونَ ، وعاقونَ لا بارونَ .
ثمَّ هلْ ضاقَت بنا سبلُ التكريمِ ، وأعيَتْنا الحيلُ في وسائلِ التعظيمِ ، إلا هذهِ السبيلُ الملتويةُ المنْكرةُ ، التي نعصي اللهَ تعالى فيها ، ونبذلُ المالَ فيها للأجنبيِّ الكافرِ ؟ ألا يكونُ في إحياءِ ذكراهم فتحُ مدرسةٍ أو إنشاءُ مستشفى ، أو بناءُ ملجأٍ أو ميتمٍ ؟ أليسَ لهم في ذلكَ ذكرٌ خالدٌ ، وحديثٌ متواترٌ على كلِّ شفةٍ ولسانٍ .
أيُّها المسلمونََََََ ‍‍! إنَّ الإسلامَ دينُ هذهِ الأمةِ ، وإنَّ دستورَها ينصُّ على احترامِ دينِها وقرآنِها ، وإنَّ نصبَ التماثيلِ حرامٌ في دينِ اللهِ نصَّ على ذلكَ الكتابُ المجيدُ ، والسنةُ الطاهرةُ ، والفقهُ الإسلاميُّ الأغرُّ .
قالَ اللهُ تعالى : [وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ] {الأنبياء:51} .
وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ).
رواه البخاري كتاب البيوع 1963 ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة 3941 ، عن عائشة رضي الله عنها .
فلنحفظْ دينَ اللهِ في أرضِه ، متأدبينَ معَ رسولِه صلى الله عليه وآله وسلم ، معتبرينَ بقولِه عزَّ وجلَّ : [لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {النور:63} .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين