معالم قرآنية في الصراع مع اليهود للدكتور مصطفى مسلم تعريف موجز بالكتاب

ما من أمة من الأمم السابقة تناول القرآن تفصيل نشأتها وتاريخ تكوينها وبيان أحوالها ودقائق مواقفها ودخائل نفوس أفرادها وخصائص شخصيتها مثل أمة اليهود...

تساءل المؤلف الدكتور مصطفى مسلم عن الحكمة في أن يحتل الحديث عن اليهود هذه المساحة الشاسعة من آيات القرآن الكريم . وحاول الإجابة عن هذا السؤال، وذكر عدة أسباب، ثم قال : ولعل أمراً آخر وراء ذلك ـ ولعله الأهم ـ ألا وهو أنَّ الصراع بين اليهود والمسلمين سيبقى إلى يوم القيامة ، وكلما خمدت جذوة الصِّراع في منطقة أو عصر سيتجدد في مكان آخر وفي أزمنة متلاحقة ، وفي صور شتَّى إلى أن تكون الملاحم والمعارك الفاصلة قبيل قيام الساعة...

هذا السبب دفعه إلى أن يقوم بهذه الدراسة القرآنية بعنوان: معالم قرآنية في الصراع مع اليهود .

وانطلق في دراسته من النص القرآني ، وأيده بالأحداث التاريخية وكتب اليهود المقدسة بأسفارها الخمسة والتلمود ، وكذلك الدراسات التي قام بها غير المسلمين .

وتعدُّ دارسته هذه من ألوان التفسير الموضوعي للقرآن.

وبدأ دراسته بمصطلحات وتعاريف عرف فيها بأسفار اليهود الخمسة والتلمود ، وبيَّن نسبة ما يكتبه أحبار اليهود إلى الوحي السماوي ، وأن كتابهم المقدس وشروحه وحواشيه كُتب بأقلام اليهود في عصور متأخرة عن موسى عليه السلام .

ثم تكلم عن بروتوكولات حكماء صهيون التي تبنتها المحافل اليهودية لاسيما في مؤتمر بال بسويسرا عام 1897.

وبعد هذه التعاريف وطئَّ لدارسة في تربية الأمة الإسلامية تربية ربانية من خلال الاتِّعاظ بأحوال الأمم.

ثم عقد الباب الأول : المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل. وجعله في فصلين:

الفصل الأول : في المرحلة المكية، وفيها ذكر كثير من قصص بني إسرائيل مع أنبيائهم للتشابه بينهم وبين مواقف المشركين من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم .

وفي المرحلة المكية سَرْد للوقائع التفصيلية في سيرة بني إسرائيل ـ ولم يكن لهم وجود في مكة ولم يكن للمسلمين اختلاط بهم خارجها ـ لتهيئة النفوس المؤمنة لكي لا يقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل .

والفصل الثاني : في المرحلة المدنية، حيث لم يترك القرآن شاردة ولا واردة تخص اليهود وأساليبهم لإفساد المسلمين إلا وكشفه ، وتسوق الآيات مواقف أجدادهم القدماء من أنبيائهم للاستدلال على الخط المتَّبع في تكوين الشخصية اليهودية ، وأنه لم يختلف عند خلفهم مما كان الأمر عند أسلافهم البائدين.

وبيًّن استعرض في هذه المرحلة المدنية : مرحلة المهادنة والعهود والمواثيق .

وأسباب الانحراف لدى اليهود عن الإيمان بدعوة الحق .

ثم تكلم عن مرحلة المجابهة الفكرية مع اليهود ومرحلة المجابهة الحربية (حملة تأديب بني قينقاع ، وتأديب بني النضير ، وتأديب بني قريظة ، وتأديب يهود خيبر ).

ثم عقد الباب الثاني : المعالم القرآنية لسنن الله القدرية في اليهود تكلم فيه عن أحد عشر معلماً من 

معالم الشخصية اليهودية:

المَعْلَم الأول : التزوير المتعمد للكتاب المنزل وتغيير حقائق الدين، قال تعالى :[فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ....] {البقرة:79} .

المَعْلَم الثاني : الموبقات والانحراف الخلقي دينٌ يتقرَّبون به إلى الله في زعمهم، قال تعالى : [لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {آل عمران:75} . 

ومن ذلك: أكل المال الحرام ومسارعتهم فيه :[ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] {التوبة:34} .

[وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {المائدة:62} .

[وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] {النساء:161} .

ثم عرض لعقيدة اليهود في الأنبياء :لوط وابنتاه ـ داود مع أوريا ـ هارون، وزعمهم أنه هو الذي صنع العجل لبني إسرائيل .

المَعْلَم الثالث : نقض العهود والمواثيق من جبلَّتهم :[أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] {البقرة:100} .

المَعْلَم الرابع : القوة المرهبة تحملهم على الالتزام بالشرائع والعهود والمواثيق [وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا] {البقرة:93} ] {البقرة:63} .

[وَإِذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {الأعراف:171} .

المَعْلَم الخامس : الحرص على الحياة والتخاذل عند اللقاء .

[وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ] {البقرة:96} .

[لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ] {آل عمران:111} .

المَعْلَم السادس : فقدان الثقة الذاتية عند اليهود: قال تعالى :[ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ] {آل عمران:112} .

المَعْلَم السابع : عداوة اليهود للإنسانية عامَّة وللمؤمنين خاصَّة قال عزَّ من قائل :[لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ] {المائدة:82} .

المَعْلَم الثامن : تسليط شعوب وأمم عليهم كلما اشتدَّ فسادهم في الأرض، يقول عزَّ من قائل : [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ] {الأعراف:167} .[عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا] {الإسراء:8} .

المَعْلَم التاسع : الإفساد في الأرض .

1 ـ الفتن وإيقاد نار الحرب ، قال سبحانه: [ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ] {المائدة:64} .

2 ـ تدمير الأخلاق .

المَعْلَم العاشر : التفرق والخلاف والشَّتات ماض في اليهود إلى وقت مجيء الوعد الحق .

[وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا] {الأعراف:168} .

[وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ] {المائدة:64} .

[تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى] {الحشر:14} .

المَعْلَم الحادي عشر : العلوُّ والاستكبار في الأرض مرتين وتسليط عباد الله عليهم لتدميرهم للمرة الآخرة.

[وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا] {الإسراء:7} .

تلك هي المعالمُ التي ذكرها المؤلف ، وختم كتابه بنظرة للمستقبل من خلال النصوص والوثائق ، بيَّن فيها رُؤْيا اليهود المستقبلية في التوسُّع وإنشاء المستعمرات وإعمار القرى ، وإقامة إسرائيل الكبرى وهيكل سليمان .

وكما ذكر في خاتمة كتابه عدة وصايا واقتراحات، بيَّن فيها أن هيمنة الكفار سيكون لها نهاية، وأن سنة الله في بني إسرائيل ستتحقق ، وأنَّ على العلماء أن يبينوا حقائق القرآن وتفصيلات السنة والسيرة عن اليهود ، فهم القادة الحقيقيون للأمة .

هذا الكتاب صدر عن دار القلم في طبعته الثانية 1420هـ =1999م بدمشق في 220 صفحة ، فجزى الله كاتبه خير الجزاء .

وكتبه : مجد مكي 

17/1/1430

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها 27/3/2019

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين