الرابطة تناشد السادة العلماء - من للأقصى من للقدس
الرابطة تناشد السادة العلماء
من للأقصى ... من للقدس؟
د. خالد هنداوي
إن هبة الإخوة المقدسيين في القدس ومن آزرهم وانتفض معهم في يوم النفير العام الأسبوع الماضي حتى سقط ثلاثة شهداء في ساحة المواجهة مع الجنود الصهاينة تعبيراً عن الحماسة المتوقدة للدفاع عن الأقصى الذي تعرض لاقتحام المتطرفين ليدل دلالة قاطعة على أن جماهيرنا الباسلة في أرض الإسراء يمكنها أن تكرر انتفاضة الأقصى عام 2000 كلما اعتدى المجرمون على الأرض المقدسة بالتهويد وعلى القبلة الأولى للمسلمين، المسجد الذي بارك الله حوله وهذا بالطبع يعني أن المباركة فيه مضاعفة أكثر وأكثر، هذا المسجد الذي تشهد خصوصيته العامة الإنسانية والدينية والمكانية أنه رغم الاعتداء عليه منذ عهد الصليبيين وحتى يومنا هذا سيبقى ميداناً لجريان سنة التدافع بين اليهود والنصارى والمسلمين، فيحق الحق ويبطل ما يدعون، لكن السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه دوماً وهو ذو شعب هل يمكن للبقية القليلة في القدس ومن حولها وحدهم أن يغيروا المعادلة فيستطيعوا حماية الأقصى، وهل ما يقدمه المسلمون وحكامهم- إن كانوا يفعلون شيئاً من ذلك سيجدي فتيلاً، وهل المتآمرون اليهود لإعادة بناء الهيكل على أنقاض الأقصى بدولتهم القوية مازالوا جادين؟
والجواب أن أي تحرك في إطار المواجهة والمجابهة لابد أن ينفع ويفيد في حركة سنة التدافع التي إن لم ينخذل الظالم المعتدي بها فإنه يضعف أو لا يستطيع أن يستمر في مخططه ويتمدد كما يشتهي ويريد فإذا بذل من في القدس أو من حولها أو من يبعد عنها أي شيء مجد في ميدان الصراع فإنه يقدم خطوة مباركة ويبني لبنة قوية ستكون مشكلاً لبناء السد المنيع والجدار الحديدي القوي على مختلف الأصعدة ضد كل ما بدئ به وهو مستمر لعملية التهويد المقصودة لبيت المقدس والأقصى وإزالة الشعائر الدينية الإسلامية فيما يزعم المحتلون الغاصبون.
إن الخطب جد خطير، وإن ما قد يقدم من دعم مادي وسياسي وميداني قد لا يكفي لرفع الإثم عنا لأننا نمتلك العمل على أن نستطيع ونحمل القدرة الواقية بما حبا الله بلادنا من ثروات ومواردنا البشرية من طاقات ولكننا لا نأخذ زمام المبادرة ولا نضع أقدامنا في المركب العملي أو المدرج الممهد لنقلع في أجواء التحدي ورد كيد المعتدين، مع أننا جميعنا نعلم ماذا حقق هؤلاء كماً ونوعاً من التطلعات والأطماع على أرضنا بل وعرضنا وكرامتنا، ولا ريب أن تكتيكهم دقيق وتخطيطهم استراتيجي في ذلك، بدءاً من تنفيذ قرارهم بإيجاد وطن قومي لهم في فلسطين وبعد أن تمكنوا اقتصادياً وعسكرياً على مراحل حيث توسعوا في الاستيطان وضموا القدس على مراحل إلى شوط التهويد وامتناعهم القطعي عن التنازل عما أسموه جبل الهيكل بما يعني ملكيتهم الأبدية لساحات الأقصى بعد أن عرفنا كيف نعمت أرض المسجد تحت الراية الإسلامية منذ الفتح العمري بالأمن والسلام، وعليه فكما يذكر الدكتور عبدالعزيز كامل في كتابه نذير ونفير ص274 فإن المحاولات المتكررة للاعتداء على الأقصى تظهر أموراً خطيرة تدل على أن التخطيط لطمسه مازال جاداً، ومن ذلك أن الأطراف المشتركة في التآمر تزداد مع الأيام مع الإصرار للوصول إلى الهدف، أقول: والواقع الذي نشاهده اليوم أكبر دليل، ومنها أن المواقف الحقيقية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا يقل عن مواقف الجماعات اليهودية المتطرفة، بل هو داعم لها ومبرر لكل ما تفعله من تحركات عملية حيث تدعي أن بعض المتجاوزين مجانين، أو أن أمراً من التصدعات تم مثلاً نتيجة زلزال.. ولهذا تستمر أعمال الحفريات، وكما هو معلوم أن اليهود يحاولون بعد احتلال القدس عام 1967 أن يعثروا على أثر يدل على أن مكان الأقصى والصخرة هو المكان نفسه الذي كان يقوم فيه هيكل سليمان، وقد مرت مؤامرتهم للحفريات منذ ذلك بعشر مراحل وهي مستمرة اليوم؛ ناهيك عن اعتداءاتهم على المسجد المبارك منذ عقد الستين وإلى يومنا هذا!
ولا ننسى في هذه الغضون محاولاتهم المتكررة لتأمين القدس عاصمة أبدية لهم، وقد طمأنهم الرئيس الأمريكي الجديد أوباما إبان حملته الانتخابية أنه يعتبر القدس كما يعتبرون وهو التأكيد لما كان ذكره المؤسس ابن غوريون: "لا معنى لدولة إسرائيل دون القدس ثم لا معنى للقدس دون الهيكل"، وقد أكدت الكاتبة الأمريكية (كيث ماجواير) في كتاب تهويد القدس ذلك مبينة السياسة الإسرائيلية الاستراتيجية بقولها: لا خلاف بين الأحزاب اليهودية المتناوبة على الحكم على خطة "إسرائيل الكبرى" وأن عاصمتها القدس، ومن ثم فإن من الخطأ أن يتوهم البعض أن سياستها بالنسبة للقدس ستتغير تحت أي ظرف، ثم بينت أن تلك السياسة تجري بوسائل مثل إعادة بناء الحي اليهودي في المدينة القديمة. وقد تم ذلك كاملاً الآن، وكذلك إقامة الجامعة العبرية على جبل المكبر (صهيون) لتذكر اليهود بعراقته الدينية، وكذلك بناء الجدار والسور الضخم حول المدينة ضد أي عمل عسكري محتمل ومعروف أن بناءه قد بدأ منذ عام 1996، وكذلك إنشاء تحولات جغرافية للمدينة كما حدث مع مدينة يافا التي تحولت إلى تل أبيب، والأهم أنها وضعت بدعم أمريكا القدس خارج إطار اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و"إسرائيل"، أي وخارج إطار أوسلو الأولى والثانية، بل وغيرها من الاتفاقات مع الفلسطينيين، ثم حركة توسيع مصادرة الأراضي العربية، وهدم مساكن للمقدسيين كما نرى هذه الأيام.. فإن كل ذلك يشعر بأن القوم مازالوا جادين وأننا نحن المسلمين حكاماً ومسؤولين وشعوباً بعيدون جداً عن حقيقة ما يجري وأن علينا أن نعيد الكرة بصدق وإخلاص ومبادرة عملية غير المبادرة العربية التي لن تقبلها حكومة نتنياهو كما أن حكومة أولمرت لم تهضمها، فماذا نحن فاعلون؟
د. خالد هنداوي
عضو الأمانة العامة للرابطة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين