معالم الشخصية اليهودية - الشخصية اليهودية ومعالمها
معالم الشخصية اليهودية
بقلم الأستاذ محمد علي دولة

أُولى معالم هذه الشخصية أنّها شخصية غير متديِّنة، لم يكن الدين أبداً همَّها الأول، ولم تحمل رسالته للآخرين.

على الرغم من أنَّ اليهود قد احتكروا لأنفسهم (الله والدين والأنبياء)، وهم يزعمون أنَّهم أبناء الله وأحبَّاؤه، وهم شعب الله المختار المقدَّس، إلا أنهم في الحقيقة بعيدون جداً عن الإيمان الحق.
مضى عليهم سابقاً زمانٌ طويلٌ، تجاوز الثمانمئة سنة، حتى أدركوا أن الله عز وجل هو ربُّ العالمين لا ربُّهم وحدهم، وأنه ليس كمثله شيء!! وعبدوا مراراً الأوثان!!

وقالوا لموسى عليه السلام، بعدما رأَوْا عجيبَ صُنْع الله لهم في فَلْق البحر نُصْرة لهم من فرعون وجنوده، قالوا له بَعْد ذلك وبَعْدَ أن مَرُّوا في سيناء على قوم يعبدون الأصنام: _اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة_ (الأعراف:138)!! وبعد أن غاب عنهم موسى أربعين ليلة لتلقِّي وَحْيَ الله وكتابه الكريم: التوراة، صنع لهم السامريّ عِجْلاً جسداً له خُوار، فجعلوا يُطوِّفون به ويعظِّمونه ويقدِّسونه.
عبدوا عجليْن من ذهب أقامهما لهم ملكهم المتمرد «ياربعام» في المملكة الشمالية قرنين من الزمان، وعبدوا معهما (البعْل)، ثم سُبُوا إلى بلاد الآشوريين في شمالي العراق، وقد أُشربوا العِجل في قلوبهم.

ولم يقصِّر أهل «مملكة يهوذا» الجنوبية في عبادة الأوثان أيضاً، واستمروا في هذا الصنيع حتى سبَاهم بُختنصّر إلى بابل سنة 586 قبل الميلاد، ولم يَدَعْ هؤلاء عبادة الأوثان إلى أن رجعوا من بابل وأدركوا أنَّها أصنام لا تضرّ ولا تنفع!! وأنّها لا تستحق العبادة!!

إنَّ اعتقادهم بالله عزّ وجل، كما عبَّرت عنه أسفار التوراة التي صنعها لهم «عَزْرا» بعد الرجوع من بابل، وكما جاء في كتابهم الآخر التلمود، تصوُّر فاسد خاطئ، لا يليق بالله الذي ليس كمثله شيء، فهو عندهم له نصيبٌ كبير من صفات خَلْقه، إنَّه يأسف ويندم، ويبكي، ويلعب ويلهو، حاشاه سبحانه.
لم يُعظِّموا الله قديماً ولا حديثاً، ولم يَخشَوه حقَّ خشيته. في عهد موسى عليه السلام قالوا له بوقاحة فجّة: - اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون- (المائدة:24).

وفي عهد محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: (إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء)(آل عمران:181)، وفي هذا الزمان يتحدّث حاخاماتهم عن الله عز وجل بجهلٍ وسفاهة وقلَّة أدب؛ لقد قال الحاخام «عوفاديا يوسف» في موعظة دينية له ألقاها يوم السبت في 5/8/2000 م: «إنَّ الله يندم كلَّ يوم أنْ خَلَق العرب والفلسطينيين»!! وإذا فسد الإيمان بالله سبحانه فماذا يبقى من الإيمان؟!

آذَوْا نبيهم العظيم موسى عليه السلام أذىً كبيراً، آذَوْا الأنبياء من بعده فكذّبوا فريقاً منهم وقتلوا فريقاً آخر. حاولوا قتل آخر أنبيائهم المسيح عيسى ابن مريم، وادَّعَوْا أنهم قد قتلوه - وهم كاذبون - وتَباهوا بذلك، وحاولوا قتلَ خاتمَ النبيين محمد. أساؤوا الكلام جداً في النبيَّيْن العظيمَيْن: داود وسليمان، ولا يزالون، مع أنَّهم ما فتئوا يردِّدون أنَّهم إنّما يجدِّدون مملكة داود، ويريدون إعلاء شأن عاصمته (أورشليم)، وينتظرون المسيح الذي سيكون بطلاً منصوراً على شاكلة داود!!

***

حذفوا من أسفارهم كل ما يتعلّق بالإيمان باليوم الآخر والحساب، والجنة والنار، مع أنَّ هذه الأمور ركن عظيم من أركان دَعْوة الأنبياء جميعاً، وذلك ليفعلوا في الدنيا ما يحلو لهم!!
حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها، اقترفوا كل المعاصي والموبقات، حاربوا الإيمان ودعوات الإصلاح، وزعموا أنّ أهل الأوثان من مشركي مكة هم أهدَى سبيلاً من الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والدين عندهم اليوم - لا سيما في دولة الصهاينة وعند جميع الأحزاب: علمانية أو دينيّة - تقديرٌ للشعب المختار وللأرض الموعودة، وانتظار للمسيح الموعود الذي سوف يَفْرض سيادتهم على الدنيا كلِّها، وإعادةُ بناء للهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى!! بالإضافة إلى اهتمام أحزابهم الدينية بعطلة يوم السبت، ووجوب تناول الطعام الشرعي «الكوشير»، واتِّباع بعض شرائع التوراة في الأحوال الشخصية لا سيّما في مسائل الزواج والطلاق والأولاد.

أما الإيمان الحقيقي بالله وآياته وأحكامه، والعدل والرحمة، وكف الأذى والظلم والشرّ والفساد عن عباد الله، فقد حرّموه على أنفسهم، ولقد اكتشف المسيح عيسى ابن مريم فيهم هذا الزيف فقال لهم: «وَيْلٌ لكم، لأنكم تعشِّرون النَعْنَع والشبت والكمّون، وتركتم أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان، كان ينبغي أن تعلموا هذه ولا تتركوا تلك».

إنّ الذي أريد أن أخلص إليه فيما يتعلّق بحقيقة التدين عند اليهود هو: أنّ الشخصية اليهودية لم تكن متديِّنة عبر تاريخها الطويل، خصوصاً في هذا الزمان.

وإنّ الإنسان ليَعجب أشدّ العجب، بل ليسخر أشدّ السخرية من دَعْواهم الكاذبة أنهم يحملون رسالة أنبيائهم الخُلُقية، وفضائلهم الإنسانية!! وما أبعدهم عن الأنبياء الكرام: موسى وعيسى، وداود وسليمان، وزكريا ويَحيى، وصَمويل وإلياس واليسَع، وأشعيا وراميا، وحزقيال ودانيال، وعاموس وهوشع، وغيرهم من الأنبياء الكرام الذين نتولاّهم - نحن المسلمين- ونؤمن بنبوتهم، ونحبهم ونُجلُّهم، ولا نَذْكرهم إلاّ بالخير.
***

وحين أَصِف الشخصية اليهودية بأنها غير متدينة أقصد أنها ضعيفة التمسك بتعاليم الدين إلى درجة كبيرة، ولا أقصد أنها تُعلن الحرب على دينها ومقدَّساتها ورجالاتها وتاريخها، ولا أزعم - كما يقول الآخرون- أن زعماءهم المعاصرين ملحدون، ينكرون وجود الله، ولا يؤمنون برسله الذين بُعثوا فيهم!!
بل إنهم - على الرغم من أنّ معظمهم غير متدينين- يرَوْن أنَّ دينهم هو العامل الأساسي في توحيدهم، وهو الدافع الأساسي إلى عودتهم إلى فلسطين، وتجديدهم بناء دولة إسرائيل التاريخية.
إنَّ الشخصية اليهودية قد عادت إلى أرض فلسطين بعد غياب ألفَيْ سنة تقريباً تحمل البندقية بيد، والتوراة بالأُخرى. إنَّ الدين عندهم سلاح ماضٍ، وادِّعاء من غير تطبيق، وبُعد شاسع عما جاءتهم به التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام.

إن السبب الرئيس في اقتحامهم أرض فلسطين وإقامة دولتهم التي بلغ عمرها حتى الآن ستّين سنة، هو أنهم أقوياء بإمكاناتهم العسكرية والاقتصادية وبتأييد الغرب لهم، ابتدأوا منذ إعلان كيانهم في بناء دولة قوية مسلَّحة، لم يغفلوا عن أسلحتهم أبداً، في حين أنَّ أعداءهم العرب غفلوا عن إعداد السلاح الذي يهزمون به عدوّهم، بل لقد مكّنوا عدوَّهم من تدمير أسلحتهم!!
ولست أقلِّل من خـطـورة اعـتقـادهـم - غـــيــر الــــصحيح - بأنَّ الله قد أورثهم أرض فلسطين إلى الأبد، في حين أنَّ العرب لا يستفيدون أبداً من عقيدتهم الصحيحة بأن ميراث الأرض المقدسة قد صار إليهم.

هذا ولا يفوتني هنا أن أُثني خيراً على الأجيال المؤمنة الصالحة من أتباع الأنبياء والمرسلين من بني إسرائيل ومن اليهود فيما بعد، الذين استجابوا لله ورُسِله، وحملوا التوراة وهَدي الأنبياء الكرام، وآمنوا بخاتم أنبيائهم المسيح عيسى ابن مريم، ثم آمنوا بخاتم النبيين والمرسلين محمد. وإنهم مسلمون و إخواننا في الإيمان، نحبهم ونتولاهم ونذكرهـم بالخير

منبر الداعيات

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين