فصل الدين عن الدولة نزعة كافرة - فصل الدين عن الدولة

فصلُ الدينِ عنْ الدولةِ نزعةٌ كافرةٌ

 

الحمدُ للهِ الذي زينَ الإيمانَ في قلوبِ السعداءِ، أحمدُه سبحانَه وتعالى وأشكرُه، وأعوذُ بِهِ منْ شتاتِ الآراءِ، وضلالةِ الأهواءِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ على سيدِنا محمدٍ، حاملِ لواءِ القرآنِ، وعلى آلِه وأصحابِه، والتابعينَ وتابعيهِمْ بإحسانٍ .

وبعدُ أيُّها المسلمونَ ! اتقوا اللهَ واعلموا أنَّه في كلِّ يومٍ منْ أيامِ المسلمينَ عجبٌ، وكلُ أمرِ المسلمينَ اليومَ عجبٌ : تندفعُ جماعةٌ منْهم باندفاعِ الحزبيةِ العمياءِ، فتعلنُ منْ غيرِ استحياءٍ ضرورةَ فصلِ الدينِ عنْ الدولةِ، وضرورةَ منعِ رجالِ الدينِ منَ التدخلِ في السياسةِ والقضاءِ ..

لا نعجبُ منْ مؤسسِ هذا الحزبِ العقيمِ، فهو نصرانيٌ رأى في دينِه المحرفِ ما لا يتمشى معَ الزمنِ، ولا يلائمُ ظروفَ الحياةِ، فاطَّرحَه جانباً، وأعماه عداؤُه المورثُ للإسلامِ والمسلمينَ عنْ فضائلِ الإسلامِ الحنيفِ، وقرآنِهِ المجيدِ، وسنتهِ الطاهرةِ، ولكنَّ العجبَ منَ المسلمينَ، وأبناءِ المسلمينَ، أنْ يتشيعُوا لهذهِ الحزبيةِ الضالةِ، وينادوا بالقوميةِ ضاربينَ بالإسلامِ عُرضَ الحائطِ، عميتْ منْهم القلوبُ، فتعامَوا عنِ الإسلامِ الذي أبقى لهم هذهِ العروبةَ، وحفظَ لهمْ هذهِ القوميةِ، ولولاه لكانتْ أثراً بعدَ عينٍ .

أيُّها المسلمونَ : إنَّ الدعوةَ إلى القوميةِ دعوةٌ ضيقةُ النطاقِ، تحكمُ على البشرِ بالتفرقِ والشتاتِ، والإسلامُ دعوةٌ عامةٌ تجعلُ البشرَ أسرةً واحدةً على اختلافِ لغاتِهم وألوانِهم .

ولقدْ حاربَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  أولَ ما حاربَ العربَ، وحاربَ أبو بكرٍ رضي الله عنه يومَ تولي الخلافةِ العربَ، فالكفرُ ملةٌ واحدةٌ، سواءٌ فيهِ العربيُّ والأعجميُّ ؛ لأنَّ الخلقَ كلَّهم عبادُ اللهِ، فليعترفُوا بالعبوديةِ للهِ، والوحدانيةِ للهِ، فإذا أبَوا فهُم في الكفرِ سواءٌ .

هذا وإنَّ الدعوةَ إلى القوميةِ، تقطيعٌ لأوصالِ الأمةِ الإسلاميةِ، وهي خطةٌ مرسومةٌ، رسمَها الأجنبيُّ للمسلمينَ، فقضى على الخلافةِ، وجزأَ العالمَ الإسلاميَّ، وزينَ لهُ القومياتِ، وقدْ نالَ منْهُ ما نالَ، وهوَ لا يزالُ في منتصفِ الطريقِ، فإذا بقيَ المسلمونَ في غرتِهم، وانخدعُوا لهذِهِ الأباطيلِ، تحققَتْ للعدوِّ أمنيتُه، وإذا تيقظَ المسلمونَ، وعرفُوا ما يرادُ بهِم ويحاكُ لهُم سلمُوا إنْ شاءَ اللهُ، وسلمَ لهم دينُهم، وردَّ اللهُ  [وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا] {الأحزاب:25}.

كيفَ يدعُو أبناءُ المسلمينَ، إلى فصلِ الدينِ عنْ الدولةِ، وهمْ يعلمونَ لو أنصفُوا أنَّ دولَ العالمِ كلَّها، عالةٌ على الإسلامِ في تشريعِهم وسياستِهم وقضائِهم، وسيبقونَ عليه عالةً، إلى أنْ تقومَ الساعةُ .

يعترفُ بهذا ساسةُ الأجانبِ ومستشرقوهُم، وينكرُ هذا المسلمونَ، وأبناءُ المسلمينَ!!

وكيفَ يمنعُ رجالُ الدينِ منْ التدخلِ في السياسةِ والقضاءِ، وهمْ حملةُ القرآنِ، والقرآنُ مليءٌ بالسياسةِ الحكيمةِ، والقضاءِ المستقيمِ؟!

كيفَ يمنعونَ منْ ذلكَ، وهمْ مكلفونَ بتعليمِ الناسِ إياهُ، ولكلِّ فردٍ في الإسلامِ حقٌ فيهِ؟!

ألا فليعلمْ هؤلاءِ أنَّ الإسلامَ دينُ اللهِ في الأرضِ، وكلُّ الناسِ مدعوونَ إلى الإيمانِ بِهِ، والعملِ بمقتضاهُ، في سياساتِهم وأخلاقِهم، وعباداتِهم ومعاملاتِهم، ولا خيرَ في السياسةِ والقضاءِ إذا لم يستقيا منْ معينِه، ولا خيَر في الحكوماتِ إذا لم تتخذْ لسياستِها القرآنَ نبراساً ومرجعاً وأساساً .

وليعلمْ هؤلاءِ، أنَّهم بقولِهم هذا خرجُوا منْ حظيرةِ الإيمانِ، ووقعُوا في وَهدَةِ الكفرِ.

فراقبُوا اللهَ أيُّها المسلمونَ، وتحفظُوا منْ هذِهِ النزعاتِ الضالةِ، وحاربُوا دعاتِها بألسنتِكم وأقلامِكم، وقاطعوهم في الانتخاباتِ العامةِ، فهمْ عميُ البصائرِ، البصيرُ العاقلُ لا يتخذُ الأعمى دليلاً .

ولا تنتخبُوا إلا المتدينَ الصادقَ، الداعي إلى الإسلامِ العاملِ بِهِ، - ولا أراهُ - فشرطُ القادةِ الإخلاصُ، ومنْ لمْ يخلصْ لنفسِهِ، لا يخلصُ لغيرِهِ، ومنْ عجزَ عنْ حملِ أمانةِ نفسِه، فهوَ عنْ حملِ أمانةِ الأمةِ أعجزُ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ عِصَابَةٍ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَرْضَى للهِ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ) ( ) . عزاه السيوطي في الصغير 8414 للحاكم ورمز لصحته، عن ابن عباس رضي الله عنه  ونقل المناوي في الفيض 6/56 كلام الذهبي والمنذري وابن حجر فيه .  

وتدبرُوا قولَ ربِّكم عزَّ وجلَّ : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {آل عمران:101}

 

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها 6/3/2021

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين